221

Sharh Fath al-Majid by al-Ghunayman

شرح فتح المجيد للغنيمان

Nau'ikan

قرب الجنة والنار
[المسألة الخامسة: قرب الجنة والنار].
يعني قرب الجنة والنار من العبد، وهذا مأخوذ من قوله: (من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار)، فليس بين الإنسان والجنة أو النار إلا الموت على نوع من هذه الأنواع، موت على التوحيد وعدم الشرك، وموت على الشرك بالله جل وعلا -نسأل الله العافية-، فالذي يموت على التوحيد مخلصًا لا يشرك بالله شيئًا يدخل الجنة بعد الموت، وليس معنى ذلك أنه منذ مات يذهب به إلى الجنة لا.
فالجنة ما تكون إلا يوم القيامة، ولا يدخلها الناس إلا بعد الحساب، وأول من يستفتح باب الجنة هو رسول الله ﷺ، ولا تفتح لأحد قبله، وإنما يشفع للمؤمنين في دخولهم الجنة، أي: الذين خلصوا من النار ومن الحساب.
ولكن معنى ذلك -كما جاء في الحديث- أنه إذا وضع في قبره وجاءه الملكان يحاسبانه يقولان له: من ربك؟ وما نبيك؟ وما دينك؟ وفي رواية: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فأما المؤمن الموقن فإنه يجيب بغير تردد وتلعثم، وإذا أجاب وثبته الله جل وعلا بالقول الثابت فإنه يفتح له باب إلى الجنة، ويقال له: انظر إلى مسكنك في الجنة.
ثم يأتيه من هذا الباب من ريحها وروحها ما يستأنس به، ولهذا يقول إذا رأى ذلك: يا رب! أقم الساعة حتى أذهب إلى منزلي.
ولا يذهب إليه إلا بعد قيام الساعة وبعد الحساب، فهذا معنى دخول الجنة، أي: أنه بعد الموت والحساب سيكون مآله إلى الجنة، ويكون في القبر آمنًا من العذاب، وكذلك يوم يبعث ويوقف بين يدي الله لا يخاف العذاب كما يخافه غيره.
وأما صاحب النار فكذلك، ولكن يأتيه نصيبه من النار في القبر، فيكون القبر نارًا نسأل الله العافية! وليست النار على ما نعهدها نحن، قد يقول قائل: أنا أذهب إلى القبور، وكثيرًا ما تحفر المقابر التي قبر بها الناس، ولا يرى فيها أثر عذاب ولا أثر نعيم، نقول: نعم ما يرى هذا ولا يشاهد؛ لأنه أمر غيبي؛ ولهذا يقول الرسول ﷺ: (لولا ألا تدافنوا، لدعوت الله أن يريكم من عذاب القبر)، ولكن لو رأينا شيئًا من عذابه ما استطاع أحد أن يدفن أحدًا من الهول العظيم، وأحيانًا يظهر الله جل وعلا لبعض من يشاء من عباده شيئًا من ذلك، إما موعظة له ورحمة به ليتعظ، وإما آية يظهرها حتى يرتدع غيره، ويكون عظة لغيره، وقد شاهد الناس أشياء كثيرة جدًا من هذا النوع، من عذاب القبر ونعيمه، وأما كونه يشاهد النار أو آثار النار فلا، فما تشاهد، وهذه النار جعلها الله جل وعلا أمرًا غيبيًا، وإلا فالتراب نفسه الذي يهال عليه يصبح نارًا لا تطاق، ومع ذلك أهل الدنيا لا يشاهدون هذا، وقدرة الله لا تحد بشيء، وإذا ظهرت الأمور وصارت تشاهد بطل المعنى الذي يكون الإنسان مستحقًا للثواب عليه إذا آمن بالغيب، وهذه ثمرة الإيمان بالغيب بالأخبار التي نخبر بها غيبًا، بل قد يقبر اثنان في قبر واحد أو ثلاثة، فيكون أحدهما منعمًا والآخر معذبًا، وهذا لا يصل إليه من عذاب هذا شيء، وهذا لا يصل إليه من نعيم هذا شيء، وهم في قبر واحد.
فالله جل وعلا قدرته فوق هذا كله، والمقصود أنه إذا مات فإنه يعرض على النار، ويفتح له باب إلى النار مثلما يفتح للمؤمن باب للجنة، ويقال: انظر إلى مقعدك من النار، ثم يأتيه من حرها ومن لهبها ومن عذابها من هذا الباب ما يأتيه، مما يعذبه ويحرقه إلى قيام الساعة؛ ولهذا إذا شاهد ذلك يقول: يا رب! لا تقم الساعة؛ لأنه يعلم أن ما بعد يومه أشد من يومه هذا، فهذا معنى قوله: (من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار) يعني: يكون بعد موته ولبثه في القبر مآله إلى الجنة أو النار، والمقصود أن ما يكون للناس في القبر أمر قد كثرت الأدلة عليه من الكتاب ومن السنة؛ ولهذا فرض علينا رسولنا ﷺ أن نقول في كل صلاة: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر)، وإن كان ليس فرضًا لازمًا لا تصح الصلاة إلا به، ولكنه من الواجب على المصلي الذي علمنا إياه رسولنا ﷺ، فقال: (إذا تشهد أحدكم التشهد الأخير فليقل: اللهم إني أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال)، فهذا مما شرعه لنا رسولنا ﷺ، وقد جاءت أحاديث كثيرة في إثبات عذاب القبر والاستعاذة منه، كما أنه ظهر لخلق كثير ما يظهره الله جل وعلا لمن يشاء من عذاب القبر، أشياء كثيرة جدًا، ومن تتبع الأموات ونظر أحوالهم وجد ذلك لا محالة، يجد ويشاهد، ولكن هذا لا يكون متعظًا به إلا من يريد الله جل وعلا هدايته.

20 / 13