Sharh Fath al-Majid by al-Ghunayman
شرح فتح المجيد للغنيمان
Nau'ikan
ما اختص به عيسى ﵇ ومالم يختص به مما جاء في حديث عبادة
[المسألة الخامسة عشرة: معرفة اختصاص عيسى ﵇ بكونه كلمة الله].
اختص عيسى ﵇ بذلك لأنه تكون بالكلمة التي قال الله جل وعلا له: (كن) فكان، فيكون بدون أب، بخلاف غيره من الخلق، فكل مخلوق يقول الله جل وعلا له: (كن)، ولكنه يتكون بسبب وبواسطة جعلها الله سببًا في إيجاده، وهو ماء الرجل والمرأة، أما عيسى فاختص من بين هؤلاء الناس كلهم في كونه وجد بالكلمة تكون بها بغير أب.
[المسألة السادسة عشرة: معرفة كونه روحًا منه].
معرفة كونه روحًا منه هذا لا يخصه، ولكن المعنى أنه روح من الأرواح التي خلقها، ثم أودعها في مريم، ولهذا أخبر أنه نفخ فيها من روحه، فقال تعالى: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا﴾ [التحريم:١٢]، يعني: في فرجها جاءت النفخة ودخلت فيه فتكون عيسى.
يقول أهل التفسير: إن الله أرسل إليها جبريل -كما أخبر في سورة مريم أنه تمثل لها بشرًا سويًا -فتعوذت بالله منه، فقال: ﴿إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا﴾ [مريم:١٩]، فتعجبت وقالت: كيف يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيًا؟ أي: ما كنت زانية حتى يكون لي ولد! فأخبرها أن الله جل وعلا على كل شيء قدير، يقول أهل التفسير: نفخ في جيب درعها فذهبت النفخة إلى فرجها ودخلت فيه.
ولهذا احتج النصارى بهذا على بعض العلماء وقالوا: هذا كتابكم يدل على ما نقوله، وهو أن عيسى روح منه! فقال هذا العالم: إن الله جل وعلا يقول: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ [الجاثية:١٣]، فليس هذا من الله إلا من باب التسخير والخلق والإيجاد والتكوين، وليس هذا خاصًا بعيسى.
15 / 14