151

Sharh Fath al-Majid by al-Ghunayman

شرح فتح المجيد للغنيمان

Nau'ikan

إثبات صفات الله تعالى
[المسألة الثانية عشرة: إثبات الصفات خلافًا للمعطلة].
قصده في إثبات الصفات هنا أنه يجب أن يوصف الله جل وعلا بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله ﷺ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، لا يحرف الكلام عن وضعه الذي وضع له ولا يعطل عن معانيه التي دلت عليها اللغة العربية، ولا يكيف فيقول: هذه الصفة على كذا وكذا ومثل كذا وكذا.
وكذلك لا يمثل فيقول: مثل كذا وكذا.
فإن هذا بالنسبة لله ممنوع؛ لأن الله جل وعلا غيب لم يشاهده أحد، ولم ينظر إليه أحد، وهو جل وعلا لا سمي له ولا كفء له ولا ند له فيقاس عليه -تعالى وتقدس-، فلم يبق طريق إلى معرفة الله جل وعلا إلا ما أخبر به عن نفسه فقط، فنحن نتعرف على الله جل وعلا بالخبر الذي جاءنا عنه بالأوصاف التي وصف بها نفسه، فهذا الذي يجب على المسلم أن يفعله، وهذا في الواقع ضل أكثر الناس فيه، فأكثر الخلق اليوم لا يصفون الله جل وعلا بما وصف به نفسه، بل يحرفون، بالتحريف الذي يسمونه تأويلًا، وكثير منهم يعتقد أن ظاهر النصوص كفر، وأن القرآن لو أخذنا بظاهره لقادنا إلى الكفر، كثير منهم يقول هذا ويصرح به، والذي لا يصرح به يكون ذلك مستكنًا في نفسه، ولهذا إذا قرأت كتب هؤلاء القديمة والحديثة وجدت أنه إذا تمكن من التصريح صرح، وإذا لم يتمكن قال: هذه متشابهات.
يعني قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:٥]، وقوله تعالى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة:٦٤]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة:٤]، وما أشبه ذلك، فهذه عنده يسميها متشابهات، والمتشابه يجب أن يرد إلى المحكم، والمحكم عنده أن الله لا يوصف بهذه الصفة؛ لأنه ليس كمثله شيء، ولا سمي له ولا ند له، فيأخذ العمومات ويجعلها هي المحكمات، ويرد النصوص الجلية التي نص عليها عكس فعل أهل السنة؛ لأن أهل السنة قاعدتهم أن العموم والشمول جاء في النفي، أما النصوص التي تخص كل صفة بنص من النصوص فهذه تكون في الإثبات، وهي طريقة القرآن وطريقة الرسول ﷺ فيما عرف به ربه إلى عباد الله، فهو يحدث في كل مقام يناسب ذلك، ويخبر بأن الله يعجب، وبأن الله يضحك، وبأن الله ينزل إلى سماء الدنيا، وبأن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، وأن الله يأخذ الصدقة بيمينه فيربيها للمتصدق إذا كان مخلصًا كما يربي أحدكم فلوه -يعني: ولد فرسه الذي يعتني به كما يعتني بولده في ذلك الوقت-، إلى غير ذلك من الأوصاف التي يصف بها رسول الله ﷺ ربه، ويعلم أمته ذلك، ثم يأتينا بعد القوم الذين زعموا أنهم أعلم وأحكم من الصحابة، وأن الصحابة لم يحكموا هذا الباب ولم يعلموه حق العلم، وإنما علمه الذين تلقوه من الفلاسفة ومن اليونان وحكماء الهند وغيرهم من الأعاجم، وهم الذين أحكموا ذلك، وإذا كان الأمر هكذا فإننا نقول: إن من عقيدة المسلم التي لا بد أن يعتقدها كل مسلم، وإلا فلا تكون عقيدته صحيحة -بل لا يكون مسلمًا- من عقيدة المسلم أن رسول الله ﷺ بلغ عن الله جل وعلا، ولا بد للمسلم أن يعتقد هذا، فيعتقد أن رسول الله ﷺ بلغ عن الله، فأين تبليغه بأن الله ليس مستويًا على عرشه، وأنه لا يجوز أن يوصف بأن له يدين، وأن ليديه أصابع، وأنه جل وعلا لا يبسط يده، وأنه جل وعلا ليس فوق عباده، وأنه جل وعلا لا يحب أحدًا، ولا يحبه أحد، إلى غير ذلك من أقوال هؤلاء الضلال، أين تبليغ الرسول ﷺ؟ كذلك من عقيدة المسلمين التي لا بد لكل مسلم أن يعتقدها أن رسول الله ﷺ هو أعلم الخلق بالله، وهو أعرف الخلق بالله، وهو أتقى الخلق لله، وأنه صلوات الله وسلامه عليه أقدر على البيان من كل أحد، وأنه صلوات الله وسلامه عليه أفصح الخلق وأنصحهم للخلق، فإذا وجد هذا اقتضى ذلك أنه لا يترك شيئًا نحتاج إليه في ديننا -لا سيما في عقائدنا- إلا ويبينه لنا ويوضحه نصحًا وإبلاغًا وامتثالًا لقول ربه جل وعلا ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ [المائدة:٦٧] يعني: إن لم تبلغ فأنت متوعد من الله جل وعلا بأنك لم تبلغ الرسالة.
ولهذا جعل العلماء هذه الآية دليلًا على إبطال كل بدعة يأتي بها المبتدع؛ لأن هذه البدعة ما بلغها رسول الله ﷺ، ولو كانت دينًا لبلغه رسول الله ﷺ، فهذه العقيدة تكفي في إبطال قول هؤلاء النفاة الضلال، وهي عقيدة لازمة، والذي لا يعتقدها معناه أنه ما شهد الشهادة بالرسول ﷺ على الوجه الذي ينجيه من عذاب الله جل وعلا ويخلصه من التبعة.
ثم إن الذي ذكر في هذه النصوص أن الله جل وعلا يتكلم جاء في عدد منه أنه يتكلم ويخاطب ويجزي، وأنه يحب من يشاء من خلقه، وأنه يبغض من يشاء من خلقه، وأنه كذلك يرحم من يشاء، وأنه يثيب، وأنه يعاقب، وكل هذا من صفات الله جل وعلا التي يوصف بها، وهي كلها مرت معنا في هذه النصوص، وكذلك منها أنه في السماء؛ لأنه قال: (لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري) فاستثنى نفسه، فدل على أنه في السماء، والسماء يقصد بها العلو، وكذلك غير هذا من الصفات، وستأتي الإشارة إلى شيء منها فيما بعد.
[المسألة الثالثة عشرة: أنك إذا عرفت حديث أنس ﵁ عرفت أن قوله ﷺ في حديث عتبان: (فإن الله حرم على النار من قال (لا إله إلا الله) يبتغي بذلك وجه الله) أنه تَرْكُ الشرك ليس قولها باللسان].
يقصد بهذا أن يبين أن النصوص لا تتعارض، وأنها كلها خرجت من مشكاة النبوة، وكلها بعضها يتفق مع بعض، فإخباره أن من قال (لا إله إلا الله) يحرم على النار، وقوله: إنه يدخل الجنة، وإخباره أن كثيرًا ممن يقول (لا إله إلا الله) يدخل النار ثم يخرج منها، وكذلك كون كثير من المصلين يدخل النار ويبقى يصلاها وقتًا حتى يمن الله جل وعلا عليه بإخراجه منها كل هذه لا تتعارض؛ لأنها كلها صدرت عن رسول الله ﷺ، فتحمل كل طائفة منها على طائفة من الناس في الحالة التي تكون فيهم، ويستمرون عليها من إخلاص وعدمه، ومن صدق وعدمه، ومن يقين وعدمه، ومن محبة وعدمها، وما أشبه ذلك، ومعلوم أن التفاوت بين الناس في هذا لا يعلمه إلا الله جل وعلا، فهو تفاوت عظيم، فتجد واحدًا يكون مؤمنًا صادقًا موقنًا لا يتزعزع الإيمان من قلبه، وإيمانه يمنعه من اقتراف المعاصي، ويمنعه من ترك شيء من الواجبات، وتجد آخر يسارع إلى المعاصي وهو يقول: (لا إله إلا الله)، وتجد آخر يحجم عن فعل بعض الواجبات، وهكذا، وهذا شيء مشاهد في الناس كلهم، ومن هنا تفاوتت هذه الجزاءات وهذه الإخبارات عنه حسب تفاوتهم في الإيمان والصدق مع الله جل وعلا.

15 / 12