وقوله خلقت غير زملٍ، أي غير ضعيف ولا جبان يتكل على غيره فيما ينوبه. والزمل والزمال والزميلة: الضعيف. والوكل: الذي يتكل على غيره.
ذا قوةٍ وذا شبابٍ مقتبل
لا جزع اليوم على قرب الأجل
الموت أحلى عندنا من العسل
يقول: خلقت قويًا مقتبل الشباب، لم تبلني السنون، ولم يضعفني ما مسني من النوائب والهموم. فإن قيل: ما الزيادة في قوله ذا قوةٍ على قوله غير زمل؟ قلت: يجوز أن يكون ذا قوة مصروفًا أي الرأي، وغير زمل مصروفًا إلى البنية. ويجوز أن يكون المراد بذا قوةٍ الجلادة، لأن ليس من كان غير ضعيف كان جلدًا. واقتبال الشباب: ألا يرى أثر من الكبر معه.
وقوله لا جزع اليوم يقول: استقلتنا يومنا، فلا نجزع على دنو الأجل فيه إن دنا، لأن الموت إذا غشينا فيما نطلبه، أحلى طعمًا عندنا من طعم العسل، وقوله " اليوم " ظرف لقرب الأجل، وعلى قرب الأجل، خبرٌ للا. ويجوز أن تجعل اليوم خبرًا على قرب الأجل تبيينًا له أو حالًا. وإن جعلته خبرًا بعد خبرٍ، كما نقول: هذا حلوٌ حامضٌ، جاز أيضًا. وذكر بعض المتأخرين أنه لا يجوز أن يكون معنى على هنا معناها في قولك جزعت على كذا، أي أشفقت عليه، لأنه غير الغرض المقصود. ألا ترى أن معناها لا جزع اليوم من الموت على أن الأجل قريبٌ منا، فإذا قرب منا فلم نجزع منه فما ظنك بنا إذا بعد عنا. وأنا أقول: وإن من البيان لسحرًا، وإن من الغوص على المعاني لمثله درًا.
ردوا علينا شيخنا ثم بجل
نحن بني ضبة أصحاب الجمل
ننعي ابن عفان بأطراف الأسل