[شرح ديكنقوز]
الحكم بأصالة الصدر أو الفعل وإثباتها الذي هو المقصود الأصلي من الكلام في هذا المقام، وكان المراد منه في محل النزاع قسما منه عرفه أولا وقسمه إلى أقسامه، ثانيا وبين ما هو المراد منه في محل النزاع، ثالثا على ما هو مقتضى الترتيب إلا أنه أخر عن أدلة أحد المتخاصمين ولم يبادر إليها عقيب ذكر ذلك الحكم لكونه غير مقصود أصلي كما أشرنا إليه لا أنه قدمها على ذكر مذهب الآخر وأدلته؛ إشارة إلى حقية مذهب الفريق الأول كما نبه عليها بقوله واشتقاق تسعة أشياء من كل مصدر وسينبه عليه أيضا بقوله الأفعال التي تشتق من المصدر فكأنه جعله حكما متفقا عليه لا خلاف فيه لأحد فذكر جميع ما يتعلق به، ثم لما فرغ منه استشعر خلافا فذكره "الاشتقاق" في اللغة أخذ شق الشيء فهو متعد وفي الاصطلاح يحد تارة باعتبار العلم وتارة باعتبار العمل، فإن اعتبرناه من حيث إنه صادر عن الواضع احتجنا إلى العلم به لا إلى عمله فاحتجنا إلى تحديده بحسب العلم، وإن اعتبرناه من حيث يحتاج أحدنا إلى عمله عرفناه باعتبار العمل، أما تعريفه باعتبار العمل فهو أن تأخذ من اللفظ ما يناسبه في التركيب فتجعله دالا على معنى يناسب معناه، وأما تعريفه بحسب العلم فـ"هو" كما قال "أن تجد" أنت أي علمك على أن تجد من أفعال القلوب لا بمعنى المصادفة "بين اللفظين" مفعول ثان لتجد ومفعول الأول قوله: "تناسبا" وهو أعم من الموفقة "في اللفظ" أي في تركيب حروفه الأصول فإن حروف الزيادة كما في الاستعجال والاستباق لا عبرة بها احترز به عن نحو قعد وجلس "والمعنى" احترز به عن نحو ضرب بمعنى الدق وضرب بمعنى ذهب، وهذا تعريف لمطلق الاشتقاق المتناول لأنواعه الثلاثة وقدم التناسب في اللفظ؛ لأن الأخذ المعتبر في الاشتقاق باعتبار العمل الذي هو المقصود من الاشتقاق بحسب العلم إنما يتحقق في اللفظ وللتنبيه على ذلك المقصود اهتم بتقديم بين اللفظين على تناسبا وكذا انقسامه على أقسامه إنما هو باعتبار اللفظ، ولذا لم يتعرض فيها للتناسب المعنوي مع أنه معتبر فيها على ما سنشير إليه إن شاء الله تعالى، ومن قدم التناسب في المعنى كالميداني نظر إلى أن هذا الأخذ إنما هو المعنى فلكل وجهة إلا أن نظر المصنف أنسب للنص. والحاصل من التعريف العلم بالاشتقاق بقرينة حمل الوجدان عليه فكأنه قيل العلم بالاشتقاق هو أن تجد بين اللفظين تناسبا في التركيب والمعنى فتعرف ارتداد أحدهما إلى الآخر وأخذه منه، فأشار بذكر اللفظين وذكر التناسب في اللفظ والمعنى إلى أنه لا بد بين المشتق والمشتق منه من مغايرة بوجه واتحاد بوجه بحسب المعنى وكذا من مغايرة من جهة ولو تقديرا واتحاد من جهة بحسب اللفظ؛ لأن معنى التناسب يقتضي ذلك فيخرج نحو المقتل مصدرا والقتل إذ لا تغاير بينهما في المعنى، ويخرج أيضا نحو ضرب بمعنى الدق وضرب بمعنى الذهاب إذ لا اتحاد بينهما بوجه في المعنى، وكذلك يخرج نحو ضرب بمعنى المضروب وضرب بمعنى الحدث إذ لا تغاير بينهما في اللفظ، ويخرج أيضا ذئب وسرحان إذ لا اتحاد بينهما بوجه في اللفظ ويدخل فيه ضرب والضرب وجذب وجبذ ونهق ونعق؛ لأن التناسب أعم من الموافقة كما ذكرنا ولا شك أن بين الأولين وبين الأوسطين وبين الأخيرين مناسبة كما سنذكره إن شاء الله تعالى، وإنما قلنا في المغايرة اللفظية ولو تقريرا ليدخل فيه نحو الطلب وطلب فإن حركة آخر الفعل بنائية وحركة آخر المصدر إعرابية، والأولى كالجزء من الكلمة لثباتها وبناء الكلمة عليها وإن كان أصلها السكون إلا أنها لم تستعمل على الأصل في غيرها حال الوقف، والثانية عارضة لا اعتداد بها لانتفائها عند عمل العامل وتحقق استعمال الاسم ساكنا في غير حال الوقف أيضا وبهذا سقط ما قيل إن عنيت بالحركة الحركة الشخصية من الرفع وغيره سلمنا أنها غير لازمة في الاسمي، ولكن لم قلت إن مطلق حركة الإعراب غير لازمة ونظير الاشتقاق ليس في حركة معينة، بل في مطلق الحركة وإن عنيت بها مطلق الحركة منعنا
_________
[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
تعريف الاشتقاق المتنازع فيه لفائدة نذكرها إن شاء الله تعالى، فقال: "الاشتقاق هو أن تجد بين اللفظين" أي المتغايرين وذلك التغاير قد يكون بزيادة حرف كزيادة الألف في مثل الضارب فإنه مشتق من الضرب، وقد يكون بزيادة الحركة كزيادة فتحة الراء في ضرب فإنه مشتق من الضرب، وقد يكون بنقص حرف كنقص الواو من قل فإنه مشتق من القول كذا قيل "تناسبا في اللفظ" وهو يتناول التناسب في نفس حروف اللفظ نحو ضرب وضارب، والتناسب في مخرج حروف اللفظ نحو نعق ونهق "والمعنى" فإن قلت هذا التعريف غير مستقيم؛ لأن الاشتقاق وصف اللفظ والوجدان المذكور وصف المخاطب فلا يكون وصف المخاطب فلا يكون أحدهما هو الآخر، قلت: معنى كلامه الاشتقاق التناسب الموجود بين اللفظين في اللفظ والمعنى لكنه تسامح فقدم الوجدان عليه تنبيها على أن ذلك التناسب من الموجودات في نفس الأمر لا من الاعتبارات المحضة ونظيره ما قيل في تعريف الوحدة إنها تعقل عدم الانقسام تنبيها على أنها من المعاني العقلية لا من الأمور العينية، فالتناسب بين اللفظين جنس شامل للتناسب في اللفظ والمعنى سعا والتناسب في اللفظ فقط والتناسب في المعنى فقط، وقوله في اللفظ والمعنى فصل يخرج التناسب في اللفظ فقط كما في ضرب بمعنى الدق وضرب بمعنى الذهاب، فإن فعل أحدهما لا يكونن مشتقا من الآخر والتناسب في المعنى فقط كما في القعود
1 / 9