...................................................... أورد مسلم هذا الحديث عن طارق بن شهاب قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال الصلاة قبل الخطبة فقال قد ترك ما هناك فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من رأى منكم منكرا فليغيره " إلى آخره. في هذا الحديث دليل على أنه لم يعمل بذلك أحد من قبل مروان. فإن قيل كيف تأخر أبو سعيد عن تغيير هذا المنكر حتى أنكره هذا الرجل. قيل يحتمل إن أبا سعيد لم يكن حاضرا أول ما شرع مروان في تقديم الخطبة وأن الرجل أنكره عليه ثم دخل ابو سعيد وهما في الكلام ويحتمل أنه كان حاضرا لكنه خاف على نفسه إن غيره حصول فتنة بسبب إنكاره فسقط عنه الإنكار ويحتمل أن أبا سعيد هم بالإنكار فبدره الرجل أبو سعيد والله أعلم، وقد جاء في الحديث الآخر الذي اتفق عليه البخاري ومسلم وأخرجاه في باب صلاة العيدين أن أبا سعيد هو الذي جذب بيد مروان حين أراد أن يصعد المنبر وكانا جميعا فرد عليه مروان بمثل ما رد هنا على الرجل فيحتمل أنهما قضيتان.
وأما قوله: " فليغيره " فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة وقد تطابق الكتاب والسنة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو أيضا من النصيحة التي هي الدين. وأما قوله تعالى: (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) فليس مخالفا لما ذكرناه. لأن المذهب الصحيح عند المحققين في معنى الآية الكريمة إنكم إذا فعلتم ما كلفتم به لا يضركم تقصير غيركم، مثل قوله: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وإذا كان كذلك فمما كلف به المسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك فإنما عليه الأمر والنهي لا القبول والله أعلم.
ثم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قان به من يكفي سقط عن الباقي وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر.
ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو أو لا يتمكن من إزالته إلا هو وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر ويقصر.
قال العلماء ولا يسقط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يقبل في ظنه. بل يجب عليه فعله. قال الله تعالى: (فإن الذكرى تنفع المؤمنين) وقد تقدم أن عليه أن يأمر وينهى، وليس عليه القبول، قال الله تعالى: (وما على الرسول إلا البلاغ المبين) . قال العلماء: ولا يشترط في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون كامل الحال، ممتثلا ما يأمر به. مجتنبا ما ينهى عنه. بل عليه الأمر. وإن كان مرتكبا خلاف ذلك لأنه يجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه وينهاها. وأن يأمر غيره وينهاه. فإذا أخذ بأحدهما لا يسقط عنه الآخر.
قالوا ولا يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأصحاب الولاية بل ذلك ثابت لآحاد المسلمين وإنما يأمر وينهي من كان عالما بما يأمر به وينهى عنه، فإن كان من الأمور الظاهرة مثل الصلاة والصوم والزنا وشرب الخمر ونحو ذلك فكل المسلمين علماء بها وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال وما يتعلق بالاجتهاد ولم يكن للعوام فيه مدخل فليس لهم إنكاره بل ذلك للعلماء.
Shafi 29