وافتتح المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه هذا بالتسمية والتحميد تأسيا بالكتاب المجيد، وعملا بالحديث الصحيح المفيد " كل أمر ذي بال - أي شأن وحال - لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم، وبالحمد لله، أو بحمد الله أو بذكر الله، فهو أجذم أو أقطع أو أبتر " روايات متعددة مؤداها أن متروك التسمية قليل البركة، أو مقطوع الزيادة، ورواية " بذكر الله " أعم. وأكثر العلماء أجمعوا على أن لفظ الجلالة اسم الله الأعظم، فهو علم على الذات الأقدس المستحق لجميع المحامد. ولذا قال: " الحمد لله " أي الثناء الجميل يستحق لله " رب " أي مالك، وخالق، ومدبر، وسيد " العالمين " جمع عالم - بفتح اللام - وفيه تغليب العاقل على غيره، إذ هو اسم لما سوى الله تعالى، غير أنه لا يطلق على المفرد، فلا يقال: زيد عالم إلا مجازا، " قيوم السموات " معناه القائم بالتدبير والحفظ قال الله تعالى: (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا) " والأرضين " بفتح الراء وقد تسكن - جمع أرض. " مدبر الخلائق " أي مصرف أمور الخلائق، جمع " خليقة " بمعنى مخلوقة. إذ هو العالم بعواقب أمورهم. " باعث " أي مرسل. وقوله: " إلى المكلفين " متعلق بباعث، وجملة الصلاة والسلام معترضة بينهما إنشائية المعنى. أي اللهم صل وسلم، وفي بعض النسخ " صلاته " بالإفراد، وهي من مادة الصلة. فهي من العبد: طلب الاتصال والقرب من الله، وصلاتنا على الرسول: طلب الصلة اللائقة والمنحة الإلهية العظيمة له من الله على النعمة التي أسبغها الله علينا بسببه صلى الله عليه وسلم ويقال: إنها من الله الرحمة المقرونة بالتعظيم " وسلامه " أي تحيته التي تليق بجنابهم العظيم. وقوله: " لهدايتهم " أي دلالتهم الناس على سبيل الهدى متعلق أيضا بباعث. " شرائع " جمع شريعة، من شرع بمعنى: بين، وهي والدين والملة بمعنى واحد وتختص بالاعتبار؛ فالأحكام من حيث إننا ندين، أي ننقل لها، وندان: أي نجاز عليها، دين، ومن حيث أن الملك يمليها للرسول والرسول يميلها علينا: ملة؛ ومن حيث شرعها لنا، أي نصبها وبينها: شرع وشريعة. والدين: وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى ما هو خير لهم بالذات. " بالدلائل " متعلق ببيان،جمع دلالة - مثلث الدال بمعنى الدليل، و " القطعية " ما تقطع جدال الخصم، لكونها عن الله " وواضحات البراهين " من إضافة الصفة للموصوف، أي البراهين الواضحة، وهي الحجج وعطفه على الدلائل من عطف الخاص على العام؛ لأن البرهان لا يكون إلا مركبا من تصديقتين، متى سلما لزمهما لذاتهما قول ثالث، كقولك: العدل متغير، وكل متغير حادث، فإنه ينتج العالم حادث، وأما الدليل فهو ما يلزم من العلم به العلم بشيء آخر. سواء كان مركبا كهذا المثال . أو منفردا كقولك: هذه المخلوقات دليل على وجود الله تعالى " أحمده " أي أثني عليه ثانيا في مقابلة النعم. فأتى بالحمد أولا في مقابلة الذات الأقدس المتصف بجميل الصفات، وثانيا في مقابلة جميع النعم المتعاقبات، وخص الأول بالجملة الأسمية المفيدة للاستمرار والدوام، والثاني بالجملة الفعلية المفيدة للتجدد والتعاقب، لمناسبة ما يليق بكل مقام. " المزيد " أي مزيد النعم، فأل عوض عن المضاف إليه، و " من فضله " الفضل: هو العطاء عن اختيار. لا عن إيجاب، أي حصول بالطبع، بدون اختيار، كما تقول الحكماء، ولا عن وجوب كما تقول المعتزلة، والكرم إعطاء الكثير لغير علة. " وأشهد " أي أتحقق وأذعن " أن " أي أنه، فهي مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف " لا إله " أي لا معبود بجميع أنواع العبادة بحق " إلا الله " برفع لفظ الجلالة، على أنه بدل من الضمير المستتر في خبر " لا " المقدر بمستحق الإلهية، ويجوز نصبه على الاستثناء " الغفار " من الغفر، أي الستر للعيوب " محمدا " هو مشتق من الحمد، لكثرة خصاله المحمودة " عبده " قدمه لكونها أشرف المقامات، ولذلك ذكره الله بهذا اللقب في أسنى المقالات " فقال: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا " وقال: " وأنه لما قام عبد الله يدعوه " فإن العبد الحقيقي لربه من يكون حرا عن هوى قلبه، والذل والخضوع لغيره، ولذا قيل:
أتمنى على الزمان محالا ... أن ترى مقلتأي طلعة حر
" وحبيبه " فعيل بمعنى فاعل، وبمعنى مفعول، فهو المحب المحبوب " وخليله " من الخلة - بالضم - أي صفاء المودة وتخللها في القلب، كما قيل في ذلك:
Shafi 2