اشتغال الإنسان بما يناسب نفسه وطبيعته
لذلك نقول: من أمانة الإنسان -لأنه سيحاسب على كل قوله- إذا لم يجد عقلًا متينًا في الحكمة والفصل والتصحيح والتضعيف للأقوال والأفعال فليبتل نفسه بما آتاه الله؛ لأن الله يقول: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾ [المائدة:٤٨].
بعض الناس يدرك من نفسه وطبيعته - قد تكون وراثية أو غير وراثية- أنه رجل حاد، رجل شديد، رجل لا يحتمل الأخذ والعطاء، فلابد أن يكون الإنسان عاقلًا مع نفسه، ويعيش -إن صح التعبير- سلامًا مع نفسه.
فإن أبا ذر رضي الله تعالى عنه لما سأل النبي ﷺ الإمارة قال له الرسول ﷺ: (يا أبا ذر) لاحظ الحقيقة والتشخيص النبوي والوضوح، فلا يعني إذا كنت طالب علم أنك ستصير طالب علم، وإذا كنت داعية أنك ستصير داعية، قال: (يا أبا ذر! إني أراك ضعيفًا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تتأمرنّ على اثنين) أي: حتى اثنين لا تتأمر عليهم.
لكن لما تشوف بعض الصحابة ﵃ إلى الإمارة، ما عاب النبي ﷺ بعض تشوقهم، بل قصد ﵊ إلى أن يعطي الإمارة قومًا كان أبو ذر رضي الله تعالى عنه أفضل منهم في المقام؛ لأن الإنسان الذي يصلح لكل شيء هم الرسل والأنبياء؛ وذلك لأن الله اصطفاهم واختصهم.
أما من لم يكن نبيًا ولا رسولًا فإنه يصلح لأشياء ولا يصلح لأشياء، والقدماء كانوا متعقلين في تناولهم الأمور، فهذا أبو حنيفة ﵁ ورحمه كان فقيهًا، حتى قال الشافعي ﵀: "الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة "، لكن لم يتيسر له الاشتغال بعلم الحديث، فلم يركب فيه صعبًا، وهكذا العاقل، فالشيء الذي لا يحسنه لا ينبغي أن يركب فيه صعبًا، خاصة في مسائل الدين والفتوى والحكم والفصل بين الناس، فقد قال النبي ﷺ في حديث خولة بنت حكيم في البخاري: (إن رجالًا يتخوضون في مال الله بغير حق، لهم النار يوم القيامة)، فهذا فيمن يتخوض في مال الله بغير حق، فما بالك بمن يتخوض في دين الله بغير حق؟!
ومن المعلوم أنه ليست هناك نظم للفصل: هذا يصلح لهذا وهذا لا يصلح لهذا، لكن يجب أن يحاسب الإنسان نفسه ويتبصر في الأمور، ولا يقول القول إلا وقد اطمأنت نفسه إليه، ولا يستبعد أن يتوقف في كثير من المسائل؛ لأن الله سبحانه يقول: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء:٣٦]، فلا يستنكف أن يتوقف في مسائل وأن يعرض عن مسائل وأن يقول: لا أدري، في مسائل ..
وغير ذلك من آداب الشريعة التي تجدونها مبسوطة في كلام الله وكلام رسوله ﵌.
5 / 14