ابتعاد بعض الصوفية عن تعطيل الأسماء والصفات وسب الصحابة
قال المصنف ﵀: [بحيث جعل عندكم من البغض لمن يكذب بأسماء الله وصفاته]
يشير إلى طرق الجهمية التي تعطل الأسماء والصفات، وهذا الإطلاق لمصلحة التحذير، وهو من باب التوسع، فإنه من المعلوم أن الذي يكذب بالقرآن أو بنصوص القرآن في الأسماء والصفات لا يكون مسلمًا، والذين وقعوا في هذا الابتداع في تاريخ الإسلام من المعتزلة ونحوهم، الأصل فيهم أنهم لا يقولون بالتكذيب، وإن كانوا يعطلون الأسماء والصفات بما يسمونه تأويلًا، والمصنف يسميه في بعض كتبه -كالواسطية- تحريفًا.
[أو يسب أصحاب رسول الله ﷺ ما هو من طريقة أهل السنة والجماعة، وهذا من أكبر نعم الله على من أنعم عليه بذلك].
سب الصحابة ﵃ مخالف للعقل فضلًا عن الشرع؛ لأن الصحابة هم الجمع الذين رووا سنة رسول الله ﷺ، بل وحتى القرآن؛ فإن الله تكفل بحفظه، كما قال ﷿: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [العنكبوت:٤٩]، وبقي في صدورهم ﵃ مما سمعوه من نبيهم حتى جمع القرآن في عهد أبي بكر، ثم انضبط ورتب شأنه في خلافة عثمان.
فمن يتكلم في الصحابة فإنه يخالف هذه المقاصد في ضبط مادة الإسلام الأولى؛ ولذلك يقول الله سبحانه في كتابه: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ﴾ [التوبة:١٠٠]، فلما ذكر السابقين الأولين سماهم بأسمائم: المهاجرين، والأنصار، أما من بعدهم فقال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ) ولم يقل: من بعدهم، فعلم أن الصحابة ﵃ توفي رسول الله ﷺ عنهم وهم على الحق، وبقوا على الحق؛ لأنهم لو كانوا قد انقلبوا بعده للزم أن يكون متبعًا لهم فيما بعد قد اتبع ضلالة، وهذا مما نفاه القرآن، فلما قال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ)، علم أنهم باقون على أصول العلم والحق التي بعث بها رسول الله ﷺ.
فلا يجوز قصر السابقين على آل البيت وبعض أئمة آل البيت؛ لأن الآية ذكرت المهاجرين، والمهاجرون يشمل كل من هاجر إلى المدينة، وآل البيت يدخلون في المهاجرين لأنهم من قريش، ولا شك أنه من هدي السنة والجماعة محبة الصحابة ومحبة آل البيت، لما لهم من الاختصاص بقرابتهم من رسول الله ﵊ كما ثبت في الصحيح لما قال النبي ﷺ للعباس: (والذين نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي).
لكن الأنصار هم بيت آخر لا يدخلون في مسمى آل البيت، ومع ذلك جاء النص القرآني بذكر رضا الله ﷾ عنهم.
4 / 4