الوجه السائغ لتسمية (الأصول والفروع)
بعض الكتاب يقول: إنه قد يفهم بعض العامة أو حدثاء العهد بالإسلام أن الفروع ليست لازمة في الإسلام.
فنقول: هذا الفهم ليس بالضرورة أنه يقع عند العامة وبعض حدثاء العهد بالإسلام، بل كون العامة وحدثاء العهد بالإسلام يعرفون أن الإسلام فيه ما هو أصل وفيه ما هو دون ذلك، وأن من يفرط في الفرع لا ينبغي له أن يفرط في الأصل، ويفهمون أن أصول الإسلام هذه عزم يجب المحافظة عليها، ولا تغلب النفس على تركها، وأن هذه الفروع شأنها دون ذلك، مع كون بعضها واجبًا وبعضها مستحبًا ..
هذا الفهم هو عين الحكمة وعين الفطرة البشرية، بخلاف ما إذا قلت للناس: إن الإسلام جميعه من أوله إلى آخره أصل، فهذا ليس عدلًا ولا حكمة، فإن من ترك إماطة الأذى عن الطريق، ليس كمن ترك الصلوات الخمس، ومن فاتته تكبيرة الإحرام ليس كمن ترك صلاة الجماعة، ومن صلى منفردًا ليس كمن أخر الصلاة حتى خرج وقتها، ومن أخر الصلاة حتى خرج وقتها ليس كمن ترك الصلاة بالكلية، فالأصل أن الناس يعرفون أن دينهم منه ما هو ركن تركه قد يكون ردة وكفرًا، ومنه ما هو واجب تركه فسق، وقد ذكر الله سبحانه هذا في كتابه، فقال: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات:٧] فلما ذكر الإيمان ذكره واحدًا، ولما ذكر ما يخالف هذا الإيمان أو ما ينقصه قال: ﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾ [الحجرات:٧].
فمسألة الأصول والفروع هذه تسمية واسعة إذا ما ضبطت بتفسير صحيح، فقيل: الأصول هي ما أجمع عليها الصحابة والأئمة في مسائل العلم والعمل، والفروع هي ما دون ذلك.
ففي العقل والشرع أن المسائل أحد وجهين:
إما مسألة مجمع عليها، وإما مسألة مختلف فيها.
فإذا رددنا مسائل الشريعة إلى القرون الثلاثة الفاضلة استطعنا أن نصل إلى أن هذه المسألة في القرون الثلاثة إما أن تكون مسألة مجمعًا عليها، وإما أن تكون مسألة قد اختلف فيها الصحابة والأئمة.
فما كان من المسائل المجمع عليها فهو أصل قدره على اللزوم، سواء كان الإجماع بوجه علمي، أو وجه عملي، فقد يكون إجماعًا علميًا، كأن يجمعوا على كون هذا العمل مستحبًا، فعندما أجمعوا على كونه مستحبًا هل صار فعله واجبًا، أم أنه انعقد الإجماع على استحبابه؟ انعقد الإجماع على استحبابه، فلا يجوز لأحد أن يأتي بعد ذلك فيقول: إنه مباح وليس مستحبًا، فيخفضه، ولا يسع أحدًا بعد ذلك أن يقول: إنه واجب، فيرفعه عن قدره السابق.
فالمستحب من حيث الفعل يتعلق بفروع الشريعة، ولكن من حيث الجهة العلمية فيه يتعلق بمسألة الأصول، فمن أنكر أن هذا مشروع، كمن أنكر شريعة السواك، فإن إنكاره لهذا يتعلق بمسائل التصديق لأحاديث النبي ﷺ.
أما إذا جئت إلى المستحبات من حيث التطبيق لها، بل وإلى كثير من الواجبات من حيث التطبيق لها، فهذه لا نسميها أصولًا، بل هي من باب الفروع، ولذلك قد يكون الشيء من جهته العلمية أصلًا، ومن جهته العملية التطبيقية فرعًا، وقد يكون الشيء من جهته العلمية والعملية أصلًا، وهذا كالصلاة؛ فإنها من جهة التصديق بوجوبها أصل، ومن جهة إقامتها هي أصل أيضًا.
2 / 7