============================================================
المرصد الخامس المقعد الثالث: النظر الصحيح عند الجمهور بنظري كما ذهب إليه جمع، وإما لأنه إما بالحد وهو مختص بالمركب، ولا تركيب في الحقائق الإلهية، أو بالرسم وأنه لا يفيد العلم بالكنه (والتصديق بها فرع التصور) فامتنع التصديق أيضا (قلنا: لا نسلم آنها لا تتصور بحقائقها قطعا) لجواز أن يخلق الله تعالى فينا العلم بكنه حقيقته، وحقائق صفاته ابتداء، أو يكون هناك لازم ينتقل الذهن منه إلى كنه حقائقها، فإنه غير ممتنع وإن لم يكن الانتقال من اللازم إلى كنه الملزوم أمرا كليا (وإن سلم) أنها لا تتصور بالكنه اصلا (فيكفي) للتصديق اليقيني (تصورها بعارض ما) وهو حاصل بلا شبهة (ثم هذا) الذي ذكرتموه (يلزمكم في الظن) لأنه أيضا تصديق متفرع على التصور، فيجب أن لا يكون حاصلا في الإلهيات قوله: (والتصديق إلخ) أي التصديق اليقيني باحوالها المخصوصة بكل واحد واحد فرع التصور يالكته، إذ لو لم يتصور بالكنه، جاز أن يكون في ذاتها ما يمنع التصديق الذي حصل باعتبار التصور بالوجه، وبما ذكرنا اندفع ما قيل: إنه لو كان اليقيني فرع التصور بالكنه لا يكون الحكم على الحقائق الإلهية بأنها لا تتصور يقينا لأنه ليس من الأحكام المخصوصة.
قوله: (فامتتع التصديق ايضا) ما يظهر من هذا أن قولهم بعدم إفادة النظر الصحيح في الإلهيات العلم لأجل أنه لا يمكن العلم بها، لامتناع ما يتفرع عليه أعني التصور بالكنه، فما قيل: ان خلافهم في الإفادة راجع إلى الخلاف في تحقق النظر الصحيح في الإلهيات وعدمه، وإلا فلا يقول عاقل إنه مع تحققه فيها لا يفيد العلم ليس بشيء: قوله: (إنها لا تتصور بحقائقها) أي لا يمكن تصورها كذلك فلا يصح قولكم فامتنع التصديق قوله: (أمرا كليا) أي جاريا في كل لازم وملزوم.
قوله: (فيكفى إلخ) يعني التصديق اليقيني منوط بتصور الطرفين على وجه هو مناط الحكم، ويجوز ان يكون ذلك امرا عارضا، فلا تسلم كون التصديق اليقيني فرع التصور بالكته، وما توهم من أنه يجوز أن يكون في ذاته ما يمنع التصديق الحاصل من التصور بالوجه فمدفوع بعدم التنافي بين مقتضيات الماهية: قوله: (لأنه أيضا تصديق إلخ) فإذا كان التصديق اليقيني متفرعا على التصور بالكنه يكون قوله: (ولا تركيب في الحقائق الإلهية) بالإجماع والاتفاق سواء تم الدليل على انتفاء تركب حقائق صفاته او لا.
قوله: (بكنه حقيقته) وحقائق صفاته ابتداء، فاللازم حيعذ عدم جريان النظر في التصورات الإلهية لا في التصديقات الإلهية التي هي المقصد الاقصى: قوله: (ثم هذا يلزمكم في الظن لهم أن يقولوا التصور بالوجه يكفي في الظن دون الجزم، والفارق ظاهر لأن الظن لضعفه يصلح أن يكون ميناه التصور بوجه بخلاف اليقين، نعم لا يلزم في الجزم أيضا التصور بالكنه، لكن هذا هو الجواب التسليمي المذ كور أولا.
Shafi 243