Sharh al-Jami' al-Sahih
شرح الجامع الصحيح
Nau'ikan
ما جاء في الإحسان قوله:« الإحسان أن تعمل لله كأنك تراه الخ»، يقال: أحسنت الشيء إذا أتقنته، أكملت فعله على الوجه الذي ينبغي، والمراد إتقان العبادات، وإكمالها، وإصلاحها على ما يليق بها، ومراعاة حقوق الله فيها، والاستمرار عليها. وأرباب القلوب في هذه المراقبة على حالين: منهم من يغلب عليه مشاهدة الحق حتى كأنه يراه، لا سيما إذا استحضر قوله تعالى:{ وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرءان ولا تعملون من عمل الا كنا عليكم شهودا اذ تفيضون فيه}[يونس:61] وقوله تعالى:{الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين}[الشعراء:218- 219] ومنهم من لا ينتهي إلي هذه الحالة، لكنه يغلب عليه استحضار حقيقة العبودية، وأنه مأمور بإيقاع هذه العبادات، فيوقعها بإخلاص وصدق نية وقوة عزم فاستحلاها وتلذذ بها، فهذا يصدق عليه أنه محسن، والأول محسن غاية الإحسان، وإنما يقع التفاوت بينهما بقدر تفاوت المعرفة والخشية.
وقوله:« كأنك تراه »، أي حال كونك في عبادتك مثل حال كونك رائيا له، فتكون في غاية الخشوع والتذلل، فالحديث في صورة ضرب المثل لا تراد حقيقته، وإنما المراد منه تقريب المعنى في ذهن السامع، وليس الغرض استحضار صورة في النفس، فإن فاعل هذا عابد لصنم والعياذ بالله، وتوضيحه أن العامل لإنسان يراه يبذل المجهود في تحسين العمل وإصلاحه، بخلاف العامل الغائب، فإن<1/99> النفس قد جبلت على التساهل في العمل للغائب إلا من عصم الله.
وقوله:« فإن لم تكن تراه فإنه يراك» معناه: أنه إن استحالت رؤيتك إياه، وعلمت أنك لا تراه، فاعلم أنه يراك، فيجب أن تراقبه مراقبة من يعمل لمن يرى { لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير }[المائدة:103].
Shafi 110