Sharh al-Arba'een al-Nawawiya by Atiyya Salim
شرح الأربعين النووية لعطية سالم
Nau'ikan
أثر اليوم الآخر على أعمال المؤمن به
الإيمان بهذا اليوم يعتبر القاعدة والمنطلق بعد الإيمان بالله لكل عمل من البشر، فمن آمن باليوم الآخر عمل بمقتضاه؛ فعمل الخير رجاء الثواب، وتجنب الشر مخافة الحساب.
إذًا: الإيمان باليوم الآخر هو قاعدة المنطلق للتكاليف بعد الإيمان بالله ابتداءً واعترافًا بالمولى سبحانه رب العالمين، ثم بعد ذلك يؤمن باليوم الآخِر.
فإن من آمن باليوم الآخِر عمل بمقتضاه: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا﴾ [الكهف:١١٠] أي: لذلك اليوم، ولذا لو أخذنا أول ورقة في المصحف سورة الفاتحة يقول الله فيها: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة:٥-٦] أي: نستقيم عليه حتى نلقاك، ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة:٧]، ﴿ألم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة:١-٢] .
هذا الكتاب هو الهداية، والمتقون هم ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة:٣]، وأول إيمان بالغيب هو الإيمان بالبعث، والإيمان بالله ليس غيبًا؛ لأنك ترى آيات القدرة الدالة على وجود الله في كل لحظة من لحظات حياتك ترى آيات إثبات وجود الله في شخصك، في أكلك وشربك ونومك ويقظتك وتفكيرك، ونظرة عينك، وسماع أذنك، ونطق لسانك وتنفسك، وكل حركة أو سكون تجد قدرة الله فيها دالةً على وجوده.
لو نظرت في أي عالم من عوالم الكون لوجدت قدرة الله، لو نظرت في شروق الشمس وفي غروبها وفي انتظام هذه الأفلاك وفي إنبات النبات، لو نظرت في إنزال الماء وانشقاق الأرض وإحيائها بعد موتها وإنباتها وإيناعها بثمارها كيف تختلف تلك الثمار؛ تربة واحدة وتسقى بماء واحد ويختلف أكلها؛ يعجز إنسان أن يحيط ولو إجماليًا بآيات الله.
إذًا: الإيمان بالله ليس غيبًا؛ لأن شواهد الحال قائمة عليه.
و(ملائكته): لقد شاهد بعض أفراد الإنس بعض أفراد الملائكة، والواحد من الجنس يكفي في الدلالة على عموم الجنس.
(وكتبه): لا يستطيع عاقل أن ينفي الكتب السماوية؛ لأنها توارت بها أخبار الأمم.
(ورسله): كل أمةٍ تشهد على من قبلها بإرسال الرسل، ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء:٤١]، فكل أمةٍ تشهد على من قبلها أنها جاءها رسول، وهذه الأمة شاهدةٌ على جميع الأمم بأنها جاءتها رسل الله، وقد تحتج الأمم يوم القيامة، كيف تشهدون علينا وإنما جئتم بعدنا ﴿وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء:٤١] .
فنقول لتلك الأمة: نعم جئنا بعدكم وعندنا أخباركم، جاءنا بها صادق مصدوق، إذًا: الإيمان بالرسل ليس محض غيبٍ، فعندنا أخبار متناقلة ومستندها الحس، فكل أمةٍ سمعت وشاهدت وعلمت.
أما اليوم الآخر فلا دليل ملموس محسوس عليه، ما قام يومٌ آخر قبل ذلك حتى يكون عندنا علم منه، ولهذا كان الإنكار فيه شديدًا، ونفت كثير من الأمم أو الطوائف شيئًا يقال له: بعث أو حياة بعد موت.
وسيأتي ما جاء في كتاب الله من أدلة ملموسة على إمكان مجيء يوم البعث حقًّا لا شك فيه.
7 / 4