Sharh al-Aqidah al-Wasitiyyah by Khalid al-Muslih
شرح العقيدة الواسطية لخالد المصلح
Nau'ikan
تنزيه الله لنفسه عما وصفه المخالفون للرسل
قال المؤلف ﵀: (ولهذا قال سبحانه: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات:١٨٠-١٨٢]) هذه الآيات العظيمة افتتحها الله ﷾ بتنزيه نفسه، فقال: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ﴾ أي: يا محمد! سبحانه فسبح نفسه، والتسبيح معناه التنزيه، فالله ﷾ نزه نفسه عن كل عيب ونقص وشر في الأقوال والأفعال، والأسماء والصفات، فلا يتطرق إلى شيء من أموره نقص ﷾.
ولتأكيد امتناع النقص عليه قال ﷾: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ َ» والعزة: هي الامتناع، وهو ربها أي: صاحبها ﷾، فـ (رب) هنا معناه: صاحب العزة، والعزة له وصف وملك، قال الله ﷾: ﴿إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [يونس:٦٥] فالعزة له ﷾، وعزة كل عزيز فرع عن عزته، فهو الذي يهبها له، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، فإذا كان هذا وصفه ﷾ فإنه لا يتطرق إليه النقص، بل أصحاب العقول السليمة لا يمكن أن يدور في عقولهم نقص هذا الرب جل وعلا بوجه من الوجوه.
﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ﴾ [الصافات:١٨٠] أي: عما يصف به الكافرون والمخالفون للرسل ربهم، ويستوي في هذا الاعتقادات الفاسدة الكفرية فما دونها، فكل ما خالف الكتاب والسنة من العقائد في الله جل وعلا فإن الله ﷾ قد نزه نفسه عن ذلك في هذه الآية: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ﴾ [الصافات:١٨٠] .
ثم سلم على المرسلين فقال: ﴿وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات:١٨١] والسلام على المرسلين لسلامة ما قالوه كما سيبين المؤلف ﵀، وهذا السلام بشرى لكل من سلك سبيل المرسلين، فهو سلام للمرسلين ولأتباعهم، وليس خاصًا بالمرسلين، إنما هو للمرسلين ولمن سلك سبيلهم، وانتهج نهجهم، وسار على صراطهم.
ثم بعد أن سبح نفسه ونزهها عن العيب والنقص، وسلم على أقوم الناس منهجًا وطريقًا حمد نفسه فقال: ﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات:١٨٢]، وهذه الجملة فيها إثبات الكمالات لله ﷾: الكمال في الأسماء، والكمال في الصفات، والكمال في الأفعال، فإنه لا يحمد إلا من كملت أسماؤه، ولا يحمد إلا من كملت صفاته، وجملت أفعاله ﷾، ولاحظ كيف افتتح هذا التعقيب بما ذكره في سورة الصافات من أقاويل أهل الكفر واعتقاداتهم في ربهم، واعتقادهم الولد، وجعلهم بينه وبين الجنة نسبًا، وما إلى ذلك مما ذكره من العقائد الفاسدة، ثم عقب ذلك بذكر التسبيح والتحميد، وكثيرًا ما يقترن في كتاب الله ﷿ التسبيح مع التحميد، بل نحن في صلاتنا نقول: سبحان الله وبحمده في الركوع والسجود، وفي الأذكار بعد الصلوات نقول: سبحان الله والحمد لله، فالتسبيح والتحميد مقترنان، ووجه اقترانهما أن التسبيح: تنزيه لله ﷿ عن كل عيب ونقص، وهذا تخلية، والتحميد: إثبات لكل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه، ولذلك كانت سبحان الله وبحمده من خير الكلام، ومما يملأ به الميزان، وتملأ ما بين السماء والأرض؛ لما تمضمنته من إثبات الكمالات لله ﷿، ونفي النقائص عنه ﷾.
قال المؤلف ﵀: (فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل) وهذا يشمل الكفار الذين نسبوا له الولد، والذين جعلوا بينه وبين الجنة نسبًا، والذين قالوا: إن الله فقير ونحن أغنياء، والذين قالوا: إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام واستراح في اليوم السابع عن تعب، وما إلى ذلك من العقائد الباطلة التي لا حصر لها ولا حد من عقائد الكفار، ويدخل فيها أيضًا العقائد المنحرفة من عقائد أهل القبلة، يعني: المنتسبين لملة الإسلام من أهل البدع المغلظة، والبدع التي تعتبر من البدع الخفيفة كبدع من أول بعض الصفات وأثبت بعضها.
المهم أن هذا ينتظم جميع من خالف سبيل الرسل بكفر أو بدعة، وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب، فإن ما قالوه لا نقص فيه ولا عيب.
3 / 6