212

Sharh al-Aqidah al-Wasitiyyah by Khalid al-Muslih

شرح العقيدة الواسطية لخالد المصلح

Nau'ikan

بيان آل بيت النبي ﵊
قال ﵀: [وقال رسول الله ﷺ: (إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم)، ويتولون أزواج رسول الله ﷺ أمهات المؤمنين، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة، خصوصًا خديجة ﵂ أم أكثر أولاده، وأول من آمن به وعاضده على أمره، وكان لها منه المنزلة العالية، والصديقة بنت الصديق ﵂ التي قال فيها النبي ﷺ: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)] .
قال رسول الله ﷺ: (إن الله اصطفى بني إسماعيل) إسماعيل هو ابن إبراهيم ﵇، (واصطفى من بني إسماعيل كنانة)، وهو من بني إسماعيل ﵇، (واصطفى من كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم)، فالنبي ﷺ خيار من خيار، وهذا ترقي في الاصطفاء، وآل بيت النبي ﷺ هم بنو هاشم.
وسبب سياق هذا الحديث بيان منزلة بني هاشم في العرب، وأيضًا: بيان من هم آل النبي ﷺ الذين قال فيهم المؤلف ﵀: ويحبون أهل بيت رسول الله ﷺ ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله، فمن هم؟ هم بنو هاشم: ولد العباس، وولد علي، وولد جعفر، وولد عقيل، هؤلاء هم أهل البيت الذين لهم حق لقرابتهم من رسول الله ﷺ: آل العباس، وآل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، هؤلاء هم آله من نسبه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
واعلم أن آله الذين لهم هذه الحقوق هم الذين تحرم عليهم الصدقة.
ومن آله أزواجه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من آله الذين لهم الحقوق السابقة من المحبة والتولي وحفظ رسول الله ﷺ فيهم؛ ولذلك أشار المؤلف ﵀ إلى حقهم خصوصًا فقال: [ويتولون أزواج رسول الله ﷺ أمهات المؤمنين] .
وإفراد الحديث عنهن لا لأنهن لسن من آل البيت؛ بل لأنهن اختصصن بأمور زائدة على ما اختص به آل بيت النبي ﷺ من نسبه، فأولئك كلهم آله من النسب، وهؤلاء آله بالزوجية، وقد دل القرآن الكريم على أن أزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من آله حيث قال جل وعلا في سياق الآيات التي فيها خطاب أزواج النبي ﷺ وأمرهن بما أمر جل وعلا: ﴿وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب:٣٣] وهذا لا إشكال أنه في أزواج النبي ﷺ، فإن الأمر بالطاعة في قوله: ﴿وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ موجه إلى زوجات النبي ﷺ؛ لأن الخطاب مفتتح: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ﴾ [الأحزاب:٣٢]، فأزواجه من آله بنص القرآن.
وأما ما ورد في صحيح مسلم عن عائشة، وفي مسند الإمام أحمد عن أم سلمة؛ أن النبي ﷺ: (خرج ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله في الرداء وغطاه في الرداء، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، وقال: هؤلاء هم أهل بيتي)، وفي رواية: (اللهم! هؤلاء أهل بيتي فطهرهم تطهيرًا)، فهذا لا ينفي ما أثبته القرآن من كون أزواجه ﵅ من آله، فإن التخصيص لا يلغي ما دل عليه النص السابق، فهؤلاء لا شك أنهم من آله، ولم يختلف أهل الإسلام أن الحسن والحسين وعليًا وفاطمة ﵃ من آل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لا خلاف في ذلك، ولكن هل هذا النص يفيد إلغاء هذا الوصف عن غيرهم؟ الجواب: لا، كيف لا؟ إذا قلت: لا، لا بد أن تبين، فنقول: إن القرآن كالصريح في أن أزواجه من آله؛ لأنه لما وجه الخطاب بأمر ونهي إلى أزواجه قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾، وهذا لا معنى له إذا لم يكن تعليلًا للأوامر السابقة، والأوامر السابقة موجهة إلى آل بيته من أزواجه، ثم إن القرآن دل على أن امرأة إبراهيم من آله، وأن امرأة لوط من آله، وهذا أمر معروف، فكيف يكون أزواج النبي ﷺ لسن من آله؟ هذا قصور في حقه ﷺ.
إذًا: ثبت عندنا بالقرآن أن أزواجه من آله، فكيف نجيب عن هذا الحديث؟ نقول: هذا الحديث فيه إثبات أن أحق من وصف بهذا الوصف هم هؤلاء الذين أدخلهم النبي ﷺ في هذا الغطاء، فهم أحق من وصف بهذا الوصف؛ لأنهم آله من النسب، ولا يعني هذا نفي الحكم والوصف عن غيرهم، ونظير ذلك أن النبي ﷺ أخبر بأن أول مسجد أسس على التقوى مسجده ﷺ، فلما سئل عن قوله: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ﴾ [التوبة:١٠٨] قال: (هو مسجدي هذا)، مع أن أهل التفسير متفقون على أن الآية نزلت في مسجد قباء فهل قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلغاء لما هو ثابت من أن الآية نزلت في مسجد قباء، لا، ليس إلغاءً لكنه يفيد أن أحق ما وصف بهذا الوصف هو مسجد رسول الله ﷺ، وهل كونه أحق يلغي هذا الوصف عن غيره؟ الجواب: لا؛ ولذلك نقول: لهذا نظائر، والمقصود من هذا الأسلوب: هو بيان أحقية المخصوص بالوصف، ففي حديث عائشة وأم سلمة ﵄ تخصيص علي وفاطمة والحسن والحسين بقول النبي ﷺ: (هؤلاء أهل بيتي)، وما فائدته؟ بيان أنهم أحق من وصف بهذا الوصف، لكن كونهم أحق لا يلغي هذا الوصف عن غيرهم؛ ولهذا نقول: لا خلاف بين الكتاب والسنة في أن أزواجه من آله ﷺ.

25 / 6