شرح الاخبار في فضائل الأئمة الأطهار تأليف القاضي أبي حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي المتوفى سنة 363 ه. ق الجزء الأول
Shafi 85
(خطبة الكتاب)
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله الأول بلا أحد، والآخر بلا أمد، وصلى الله على خاتم الأنبياء ورسله محمد النبي، وعلى الأئمة من ذريته ونجله.
قال القاضي النعمان بن محمد (قدس الله روحه): آثرت من الاخبار وجمعت من الآثار في فضل الأئمة الأبرار حسب ما وجدته وغاية ما أمكنني واستطعته، فصححت من ذلك ما بسطته في كتابي هذا، وألفته بأن عرضته على ولي الأمر وصاحب الزمان والعصر مولاي الامام المعز لدين الله (1) أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى سلفه وخلفه، وأثبت منه ما أثبته وصح عنده وعرفه، وآثره من آبائه الطاهرين، وأجاز لي سماعه منه، وبأن أرويه - لمن يأخذه عني - عنه صلوات الله عليه. فبسطت في هذا الكتاب ما أثبته وأجازه وعرفه، وأسقطت ما دفعه من ذلك وأنكره مما نسبه إلى أهل الحق المبطلون، وحرفه من قولهم المحرفون الضالون إذ هو صلوات الله عليه والأئمة من آبائه الطاهرين وخلفه الأكرمين الذين عناهم رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله يحمل هذا العلم من كل خلف عدول ينفون عنه تحريف الجاهلين المحرفين وانتحال المبطلين وتأويل الغالين. وأمدني صلوات الله عليه مع ذلك من نوره
Shafi 87
وأفادني من علمه، من بيان ذلك ما أدخلته في تصانيف ما بسطته في هذا الكتاب، من البيان لما في الاخبار المبسوطة فيه لمن عسى أن يشكل شئ منها أو يقصر فهمه عنها، وحذفت أسانيدها وتكرار أكثر الروايات فيها واختلاف الحكايات منها إذ قد أثرتها وصححتها بأسنادها إلى إمام العصر (ع)، فقربت بذلك بعيدها واحتصرتها وقويت تأكيدها، ثم رأيت أن يكون بسطها لفيفا، كما رويت، وصنفا صنفا كما حكيت لان مجئ الصنف بعد الصنف من الاخبار أوقع بالقلوب، وأقرب إلى الحفظ والتذكار، كما أن الطعام إذا جاء (لونا بعد لون) (1) كان أشهى، وكان من يوتى به إليه أكثر منه أكلا من أن يتلو منه الشئ ما هو مثله وإن كنت قد تابعت شيئا من ذلك تأكيدا فإنني لم أطله إطالة تمل من سمعه.
وبالله التوفيق على فضله، ومدد وليه المعول.
Shafi 88
(قول رسول الله صلوات الله عليه وعلى الأئمة من نسله: (أنا مدينة العلم وعلي بابها))
(1) (الصنابجي) (1) عن علي صلوات الله عليه وعلى الأئمة من ولده، إن رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها.
(2) الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس، إنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا مدينه العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب.
(3) عبد الرزاق عن يحيى بن علي يرفعه إلى علي بن أبي طالب صلوات الله عليه إنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا مدينة الحكمة وعلي بابها، وكذب من دخلها من غير بابها.
(4) محمد بن الحسن الجعفري عن جعفر محمد عليه السلام عن آبائه: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام: يا علي أنا مدينة العلم وأنت بابها، فمن دخل المدينة من غير بابها فقد أخطأ الطريق.
وهذا مأثور مشهور، وقد رواه الخاص والعام وهو مما أبان به رسول الله صلى الله عليه وآله ولاية علي عليه السلام وإمامته ومكانه منه، وانه لا يصح اخذ العلم والحكمة عنه في حياة رسول الله ولا بعد وفاته إلا من فيله ولا يؤتى إليه إلا من قبله كما قال الله عز وجل: (وأتوا البيوت
Shafi 89
من أبوابها) (1). فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بأن مثله مثل المدينة التي هي جامعة البيوت ذوات الأبواب، وبأن عليا عليه السلام مثله مثل بابها الذي هو باب الأبواب، كذلك لا يؤتي كل إمام إلا من قبل من نصبه بابا له ولا يؤخذ عنه علمه إلا من جهته، وفي هذا كلام طويل دونه سر ليس هذا موضع كشفه، فلو كانوا أخذوا علم رسول الله صلى الله عليه وآله كما أمر هم من قبله واقتصروا في ذلك عليه لم يختلفوا.
(5) كما جاء عن الصادق جعفر بن محمد صلوات الله عليه إن سائلا سأله:
فقال: يا ابن رسول الله من أين اختلفت هذه الأمة فيما اختلفت فيه من القضايا والأحكام (من الاحلال والاحرام)، ودينهم واحد، ونبيهم واحد؟. فقال عليه السلام: هل علمت إنهم اختلفوا في ذلك أيام حياة رسول الله صلوات الله عليه وآله.
فقال: لا، وكيف يختلفون وهم يردون إليه ما جهلوه واختلفوا فيه؟؟. فقال: وكذلك، لو أقاموا فيه بعده من أمرهم بالاخذ عنه لم يختلفوا ولكنهم أقاموا فيه من لم يعرف كلما ورد عليه، فردوه إلى الصحابة يسألونهم عنه، فاختلفوا في الجواب، فكان سبب الاختلاف، ولو كان الجواب عن واحد والقصد في السؤال عن واحد كما كان ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن الاختلاف.
Shafi 90
(قول رسول الله صلى الله عليه وآله: أقضاكم علي)
(6) أبو سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله صلوات الله عليه وآله يقول:
أقضاكم علي.
(7) حدث بذلك عنه عطاء بن أبي رياح، فقيل لعطاء: أكان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أعلم من علي؟، فقال: لا والله، ما أعلمه (1).
والخبر المأثور عن رسول الله بقوله: أقضاكم علي مشهور، قد رواه الخاص والعام ذلك مما لم يختلف فيه، وسيأتي في هذا الكتاب بعد هذا إن شاء الله مع ذكر ما جرى له من القضايا في أيام حياة رسول الله صلى الله عليه وآله ومن بعده واعتراف الصحابة له بأنه أقضاهم وأعلمهم، وأنهم كانوا في ذلك محتاجين إليه يسألونه، ولم يسأل هو أحدا منهم ولا من غيرهم، وكان يضرب بيده على صدره، ويقول: سلوني قبل أن تفقدوني، إن هاهنا لعلما جما لو أجد له حملة، ويضرب بيده على بطنه ويقول: أنه لعلم كله، ويقول: سلوني قبل أن تفقدني، فلن نجدوا أعلم بما بين اللوحين مني، ويقول: ما دخل عيني غمض مذ صحبت رسول الله
Shafi 91
صلى الله عليه وآله إلى أن قبض ليلة من الليالي حتى علمت ما أنزل عليه في ذلك اليوم، وفيما أنزل.
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله قد أخبرهم إنه أقضاهم فليس ينبغي لهم أن يتحاكموا بعده إلى غيره. والقضاء يجمع علوم الدين. وهذا أيضا مما أبان به رسول الله صلى الله عليه وآله فضله، وأوجب به إمامته لان القضاء لا يكون إلا للامام أو لمن أقامه الإمام عليه السلام.
Shafi 92
(قول رسول الله صلى الله عليه وآله: علي مني وأنا من علي)
(8) مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن عمران بن حصين، إن رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن من بعدي.
(9) عمرو بن ميمون عن ابن عباس، إنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله علي مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي.
(10) أعمش بن شيرين، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي بن أبي طالب عليه السلام: أنت مني وأنا منك.
(11) عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله في بعث (1) إلى اليمن وبعث عليه علي بن أبي طالب عليه السلام، وعلى طائفة منه خالد بن الوليد، وقال: إذا اجتمعتم فعلي على جميع الناس وإذا افترقتم فكل واحد على أصحابه، فلقينا العدو، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفى علي عليه السلام لنفسه جارية من السبي. فكتب بذلك خالد إلى رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، ونال من علي، وأمرني أن أقع فيه عنده وكنت ممن ضم إليه،
Shafi 93
فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله بكتاب خالد، فدفعته إليه، فقلت:
يا رسول الله صلى الله عليه وآله بعثتني مع رجل، وأمرتني بطاعته، فوجهني إليك، وأمرني أن أقع (1) في علي عندك، وهذا مقام العائذ بك. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: يا بريدة، لا تقع في علي، فإنما علي مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي.
(12) جعفر بن سليمان، عن عمر بن علاء، قال: لما كان يوم أحد وتفرق الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله ضرب رسول الله ستين ضربة بالسيف، وعليه يومئذ درعان قد تظاهر بينهما، وكسرت رباعيته وشج في وجهه وتفرق الناس عنه، وبقي معه علي بن (أبي) طالب عليه السلام، فقال له رسول الله: ارجع يا علي، فقال: إلى أين أرجع عنك يا رسول الله؟؟ أرجع كافرا بعد أن أسلمت؟! وأقبل إلى رسول الله صلوات الله عليه وآله كردوس (2) من المشركين. فقال لعلي عليه السلام: فاحمل إذن على هؤلاء، فحمل عليهم ففرجهم، وأصاب منهم.
فقال جبرائيل لرسول الله صلى الله عليه وآله: يا محمد إن هذه للمواساة. فقال: يا جبرائيل: إنه مني وأنا منه.
فقال جبرائيل: وأنا منكما.
(13) عبد الله بن رقيم، عن سعد بن مالك، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر ببراءة إلى أهل مكة، ثم أتبعه عليا عليه السلام، فأخذها
Shafi 94
منه. فقال أبو بكر: يا رسول الله، أنزل في شئ. قال: لا، إلا أنه لا يؤدي عني غيري أو رجل مني، فعلي مني وأنا منه.
فهذه وغيرها أخبار كثيرة مأثورة معروفة قد رواها الخاص والعام فيما ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله فيها إن عليا عليه السلام منه، وهو صلوات الله عليه من علي صلوات الله عليه وعلى الأئمة من ولده وذلك أيضا مما أبان به رسول الله صلى الله عليه وآله ولايته وإمامته، وإنه ولي أمر الأمة من بعده لان الله عز وجل يقول:
(١٤) <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن- الكريم/11/17" target="_blank" title="هود: 17">﴿أفمن كان على بينه من ربه﴾</a> (١) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله ويتلوه شاهد منه يعني عليا، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله إنه هو ذاك الشاهد على الأمة من بعده.
وليس أحد ممن تأمر على الأمة من بعده غيره يدعي إنه من رسول الله صلوات الله عليه وآله وإن رسول الله منه، ولا إنه قال ذلك فيه، ولا يدعي ذلك له أحد غيره. والشهداء هم الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ومن ذلك:
(١٥) قول الله عز وجل: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي /القرآن-الكريم/4/41" target="_blank" title="النساء: 41">﴿فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد﴾</a> (٢) <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي /القرآن-الكريم/16/89" target="_blank" title="النحل: 89">﴿وجئنا بك على هؤلاء شهيدا﴾</a> (٣). وقوله عز وجل: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/39/69" target="_blank" title="الزمر: 69">﴿وجئ بالنبيين والشهداء﴾</a> (4) والأنبياء أيضا شهداء على أهل زمانهم.
(16) ومن ذلك قول الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وآله: (وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) يعني أهل زمانه لأنه لا يقال هؤلاء إلا للحضور دون من لم يكن بعد.
Shafi 95
(١٧) ومن ذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله، إنه قرأ عليه قول الله عز وجل حكاية عن عيسى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/5/117" target="_blank" title="المائدة: 117">﴿وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم﴾</a> (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأنا أقول كذلك: يا رب أكون شهيدا على هؤلاء ما دمت فيهم.
وإنما اشتق الشاهد والشهيد لمشاهدته ما يشهد به.
فكان علي عليه السلام بقول الله وقول رسول الله صلى الله عليه وآله هو الشاهد على الأمة بعد رسول الله صلوات الله عليه وآله الذي يتلوه وهو منه وهو ولي المسلمين - كما أخبر - من بعده.
Shafi 96
(قول رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى))
(18) أسماء بنت عميس، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي.
(19) فضل بن عطية، عن أبي سعيد الخدري، قال خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى غزوة تبوك، وخلف عليا عليه السلام في أهله.
فقال بعض الناس: ما منعه أن يخرجه معه، إلا أنه كره صحبته، فبلغ بذلك عليا عليه السلام، فذكره لرسول الله صلى الله عليه وآله. فقال له:
يا ابن أبي طالب، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، تخلفني في أهلي.
(20) عمار بن سعيد بن مالك (1)، عن أبيه، مثل ذلك، وزاد فيه: إلا أنه لا نبي بعدي.
وهذا أيضا خبر مشهور قد جاء من طرق شتى وثبت، وهو أيضا كذلك مما أبان (2) به رسول الله صلى الله عليه وآله فضل علي وإمامته، وكان هارون أخا موسى من الولادة، ولم يكن علي عليه السلام كذلك
Shafi 97
من رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان هارون نبيا قد بعثه الله عز وجل مع موسى إلى فرعون، كما ذكر في كتابه، فأخبر النبي صلى الله عليه وآله إن عليا عليه السلام ليس بنبي كذلك، فلم يبق مما يكون به منزلة علي من رسول الله صلى الله عليه وآله منزلة هارون من موسى إلا أن يكون وزيره وخليفته كما أخبر الله عز وجل عن موسى في قوله:
<a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/20/29" target="_blank" title="طه: 29">﴿واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري، وأشركه في أمري﴾</a> (١). وقوله: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/7/142" target="_blank" title="الأعراف: 142">﴿اخلفني في قومي﴾</a> (2). وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: أنت وزيري وخليفتي في أهلي. فصرح بذلك له، وإذا كان خليفته، فمن أين يجوز لغيره أن يدعي بعده الخلافة؟
Shafi 98
(قول رسول الله صلى الله عليه وآله (من كنت مولاه فعلي مولاه))
(21) يحيى بن جعدة، عن زيد بن أرقم، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع، فلما انصرفنا وصرنا إلى غدير خم، نزل - وذلك في يوم ما أتى علينا يوم أشد حرا منه - فأمر بدوح (1)، فجمع، فقمم له ما تحته (من الشوك) واستظل به، ونادى في الناس - الصلاة جامعة - فاجتمعوا إليه أجمع ما كانوا، لأنه قل من بقي من المسلمين لم يخرج معه في تلك الحجة، فلما اجتمعوا قام فيهم خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إن الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا عاش نصف ما عاش النبي الذي كان قبله، وإني أوشك أن ادعى، فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم (بهما) (2) لن تضلوا:
كتاب الله، وعترتي.
ثم أخذ بيد علي عليه السلام، فأقامه ورفع يده بيده حتى رؤي بياض إبطيهما. وقال: من أولى بكم من أنفسكم. قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: ألست أولى بذلك لقول الله عز وجل: (النبي أولى بالمؤمنين من
Shafi 99
أنفسهم) (1) قالوا: اللهم نعم. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. هل سمعتم وأطعتم؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد.
(22) قال: زيد بن أرقم: فسمعت بعد ذلك عليا عليه السلام في الرحبة، ينشد الناس بالله من سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، إلا قام. فقام ممن حضر، ستة عشر رجلا، فشهدوا بذلك وكنت فيمن كتم ذلك، فذهب بصري، وكان يحدث بذلك بعد أن عمى.
(23) عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
(24) سالم، قال: كنت في المسجد ونافع بن الأزرق الخارجي وأصحابه قعود في ناحية من المسجد، إذ خرج عبد الله بن عمر من خوخة (2)، فقام يصلي. فسمعت نافعا وهو يقول لأصحابه: اذهبوا بنا إلى هذا الشيخ نضحك منه، ونسخره. فقالوا: نعم. فذهبوا، فذهبت معهم، وقلت: لأسمعن كلامهم اليوم، فجلست إليهم، فسمعت نافعا يقول لابن عمر: يا أبا عبد الرحمان أسألك؟ قال: سل أن شئت.
قال: ما تقول في رجل دعا الناس إلى أمر هدى حتى إذا جاء به عنق من الناس (3) شك في أمره؟ قال: إني لأراك تعني علي بن أبي
Shafi 100
طالب عليه السلام؟ قال: نعم إياه أعني!. قال: يا نافع، أتقول إن الله عز وجل أعلم نبيه صلى الله عليه وآله بما هو كائن في هذه الأمة إلى يوم القيامة ولم يعلمه بأمر علي عليه السلام؟ لقد قلت إذا قولا عظيما، أم تقول لغاسل جسد نبينا ومواري جثته، ومن قضى مواعيده هذه؟؟ لقد قلت إذا قولا عظيما، ما كان الله عز وجل أن يفعل هذا بوليه وصفيه ونبيه، فيغسل جسده ويواري جثته ويقضي مواعيده من يضل بعده.
ويحك يا نافع: إني شهدت ولم تشهد، وسمعت ولم تسمع، شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الغدير، فأمر بشجرات هنالك فكسح ما تحتهن، وسمعته يقول: أيها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فأجبناه كلنا: بلى يا رسول الله، فأخذ يده فوضعها على يد علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم رفعها حتى رأينا بياض إبطيهما، ثم قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. فقاموا بعضهم يبصر في وجوه بعض، وافترقوا من يومئذ.
(25) أبو الجارود - زياد بن المنذر -، قال: كنت عند أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام وعنده جماعة، فقال أحدهم: يا ابن رسول الله، حدثنا حسن البصري حديثا ابتدأه ثم قطعه، فسألناه تمامه، فجعل يروع لنا عن ذلك. قال: وما حدثك به؟، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
إن الله حملني رسالة، فضاق بها صدري وخفت أن يكذبني الناس، فتواعدني إن لم أبلغها أن يعذبني، ثم قطع الحديث - يعنى الحسن البصري -. فسألناه تمامه، فجعل يروغ لنا عن ذلك ولم يخبرنا به.
فقال أبو جعفر عليه السلام: ما لحسن؟ قاتل الله حسنا، أما والله لو
Shafi 101
شاء أن يخبركم لأخبركم، لكني أنا أخبركم، إن الله عز وجل بعث محمدا صلى الله عليه وآله إلى الناس بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقامة الصلاة فيها بالناس، فأقلوا وكثروا. فأتاه جبرائيل عليه السلام، قال: يا محمد، علم الناس صلاتهم وحدودها ومواقيتها وعددها، فجمع رسول الله صلى الله عليه وآله الناس، ثم قال: أيها الناس، إن الله قد فرض عليكم صلاة الظهر كذا وكذا، وحدودها ووقتها وعددها والعصر كذا وكذا، وحدودها ووقتها وعددها، والمغرب كذا وكذا، وحدودها ووقتها وعددها، والعشاء كذا وكذا، وحدودها ووقتها وعددها، والفجر كذا وكذا، وحدودها ووقتها وعددها.
ثم قال أبو جعفر عليه السلام: فهل تجدون هذا في كتاب الله؟ قالوا:
لا.
قال:
ثم انزل الله فرض الزكاة، فأعطى هذا من دنانيره وهذا من دراهمه وهذا من تمره وهذا من زرعه (1)، فأتاه جبرائيل فقال : يا محمد علم الناس من زكاتهم كما علمتهم من صلاتهم، فجمع رسول الله صلى الله عليه وآله الناس، ثم قال أيها الناس إن الله عز وجل قد فرض عليكم الزكاة، فمن عشرين دينارا نصف دينار، ومن مائتي درهم خمسة دراهم، ومن الإبل كذا وكذا، ومن البقر كذا، ومن الغنم كذا، ومن الزرع كذا.
ثم قال أبو جعفر عليه السلام: فهل تعلمون هذا من كتاب الله تعالى؟ قالوا: لا.
قال: ثم أنزل الله عز وجل فرض الصيام، وإنما كانوا يصومون يوم
Shafi 102
عاشوراء (1)، فأتى جبرائيل عليه السلام فقال: يا محمد علم الناس من صومهم كما علمتهم من صلاتهم وزكاتهم، فجمع رسول الله صلى الله عليه وآله الناس، ثم قال: أيها الناس إن الله عز وجل قد فرض عليكم صيام شهر رمضان تمسكون في نهاره عن الطعام والشراب والجماع، وتفعلون كذا وكذا حتى أتى على فرائض الصوم.
ثم قال أبو جعفر عليه السلام: فهل تجدون هذا في كتاب الله؟ قالوا:
لا.
قال: ثم أنزل الله عز وجل فريضة الحج فلم يعرفوا كيف يحجون، فأتاه جبرائيل، فقال: يا محمد، علم الناس من حجهم كما علمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم، فجمع رسول الله صلوات الله عليه وآله الناس، ثم قال: أيها الناس إن الله عز وجل قد فرض عليكم الحج، فطواف بالبيت وسعي بين الصفا والمروة ووقوف بعرفات ورمي الجمار كذا وكذا حتى أتى على مناسك الحج.
ثم قال أبو جعفر عليه السلام: فهل تجدون هذا في كتاب الله؟ قالوا: لا.
قال: ثم أنزل الله عز وجل فريضة الجهاد فلم يعلموا كيف يجاهدون، فأتاه جبرائيل عليه السلام، فقال: يا محمد علم الناس من جهادهم كما علمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجهم، فجمع رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله الناس، ثم قال: أيها الناس إن الله عز وجل قد فرض عليكم الجهاد في سبيله بأموالكم وأنفسكم، وبين لهم حدوده، وأوضح لهم شروطه.
Shafi 103
ثم افترض الله عز وجل الولاية، فقال: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/5/55" target="_blank" title="المائدة: 55">﴿إنما وليكم الله ورسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون﴾</a> (١).
فقال المسلمون: هذا بعضنا أولياء بعض، فجاءه جبرائيل عليه السلام، فقال: يا محمد، علم الناس من ولايتهم كما علمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجهم وجهادهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبرائيل أمتي حديثة عهد بجاهلية، وأخاف عليهم أن يرتدوا فأنزل الله عز وجل: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/5/67" target="_blank" title="المائدة: 67">﴿يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك﴾</a> (2) في علي (فإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس).
فلم يجد رسول الله صلى الله عليه وآله بدا من أن جمع الناس بغدير خم، فقال: أيها الناس إن الله عز وجل بعثني برسالة، فضقت بها ذرعا، فتواعدني إن لم أبلغها أن يعذبني، أفلستم تعلمون إن الله عز وجل مولاي وأني مولى المسلمين ووليهم وأولى بهم من أنفسهم، قالوا: بلى، فأخذ بيد علي عليه السلام فأقامه ورفع يده بيده، وقال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه ومن كنت وليه فهذا علي وليه، اللهم وال من والاه (وعاد من) عاداه وانصر من نصر واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار.
ثم قال أبو جعفر عليه السلام: فوجبت ولاية علي عليه السلام على كل مسلم ومسلمة.
(26) قال جعفر بن محمد عليه السلام عن أبيه آبائه صلوات الله عليهم أجمعين: إن آخر ما أنزل الله عز وجل من الفرائض ولاية علي عليه السلام فخاف رسول الله صلى الله عليه وآله إن بلغها الناس أن يكذبوه ويرتد أكثرهم حسدا له لما علمه في صدور كثير منهم له، فلما حج حجة الوداع
Shafi 104
وخطب بالناس بعرفة، وقد اجتمعوا من كل أفق لشهود الحج معه، علمهم في خطبته معالم دينهم وأوصاهم وقال في خطبته: أني خشيت ألا أراكم ولا تروني بعد يومي هذا في مقامي هذا وقد خلفت فيكم ما إن تمسكتم به بعدي لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، حبل ممدود من السماء إليكم ، طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، وأجمل صلى الله عليه وآله ذكر الولاية في أهل بيته إذ علم أن ليس فيهم أحد ينازع فيها عليا عليه السلام وأن الناس إن سلموها لهم سلمو (١) بما هم لعلي عليه السلام، واتقى عليه وعليهم أن يقيمه هو بنفسه، فلما قضى حجه، وانصرف وصار إلى غدير خم، أنزل الله عز وجل عليه: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي /القرآن-الكريم/5/67" target="_blank" title="المائدة: 67">﴿يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس﴾</a> (٢) فقام بولاية علي عليه السلام ونص عليه كما أمر الله تعالى فأنزل الله عز وجل: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا (٣).
فالخبر عن قيام رسول الله صلى الله عليه وآله بغدير خم بولاية علي صلوات الله عليه وعلى الأئمة من ولده. وما قال في ذلك مما ذكره من ولايته أيضا من مشهور الاخبار، ومما رواه الخاص والعام، وفي ذلك أبين البيان على إمامته واستخلافه إياه على أمته من بعده أن جعله أولى بهم منهم بأنفسهم كمثل ما كان الله عز وجل جعله هو فيهم بقوله: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/33/6" target="_blank" title="الأحزاب: 6">﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾</a> (4).
Shafi 105