اقتناصها وعجائب غرائب استخرجت من قاموس الفكر وعباب القريحة مغاصها، فمن استلحق بعض أبكاره الحسان، لم ترده عن المطالبة بالبرهان، ولم أعرف من ألفاظه إلا ما كان خفيا، فقد قال الصدر القونوي: غالب من يتكلم على الأحاديث إنما يتكلم عليها من حيث إعرابها والمفهوم من ظاهرها بما لا يخفى على من له أدنى مسكة في العربية وليس في ذلك كبير فضيلة ولا مزيد فائدة، إنما الشأن في معرفة مقصوده صلى الله عليه وسلم وبيان ما تضمه كلامه من الحكم والأسرار بيانا تعضده أصول الشريعة، وتشهد بصحته العقول السلمية، وما سوى ذلك ليس من الشرح في شيء، قال ابن السكيت، خذ من النحو ما تقيم به الكلام فقط ودع الغوامض، ولم أكثر من نقل الأقاويل والاختلافات، لما أن ذلك على الطالب من أعظم الآفات، إذ هو كما قال حجة الإسلام يدهش عقله ويحير ذهنه، قال: وليحذر من أستاذ عادته نقل المذاهب وما قيل فيها فإن إضلاله أكثر من إرشاده كيفما كان ولا يصلح الأعمى لقود العميان: ومن كان دأبه ليس إلا إعادة ما ذكره الماضون وجمع ما دونه السابقون فهو منحاز عن مراتب التحقيق معرج عن ذلك الطريق بل هو كحاطب ليل، وغريق في سيل، إنما الحبر من عول على سليقته القويمة وقريحته السليمة مشيرا إلى ما يستند الكلام إليه من المعقول والمنقول، رامزا إلى ذلك رمز المفروغ منه المقرر في العقول: قال حجة الإسلام في الإحياء: " ينبغي أن يكون اعتماد العلماء في العلوم على بصيرتهم وإدراكهم وبصفاء قلوبهم لا على الصحف والكتب ولا على ما سمعوه من غيرهم فإنه إن اكتفى بحفظ ما يقال كان وعاء للعلم لا عالما " اه فيا أيها الناظر أعمل فيه بشرط الواقف من استيفاء النظر بعين العناية وكمال الدراية: لا يحملك احتقار مؤلفه على التعسف، ولا الحظ النفساني على أن يكون لك عن الحق تخلف، فإن عثرت منه على هفوة أو هفوات، أو صدرت فيه عني كبوة أو كبوات، فما أنا بالمتحاشي عن الخلل، ولا بالمعصوم عن الزلل، ولا هو بأول قارورة كسرت ولا شبهة مدفوعة زبرت، ومن تفرد في سلوك السبيل، لا يأمن من أن يناله أمر ويبل ، ومن توحد بالذهاب في الشعاب والقفار، فلا يبعد أن تلقاه الأهوال والأخطار، وكل أحد مأخوذ من قوله ومتروك، ومدفوع إلى منهج مع خطر الخطأ مسلوك، ولا يسلم من الخطأ إلا من جعل التوفيق دليله في مفترقات السبل، وهم الأنبياء والرسل، على أني علقته باستعجال، في مدة الحمل والفصال، والخواطر كسيرة، وعين الفؤاد غير قريرة، والقرائح قريحة والجوارح جريحة، من جنايات الأيام والآثام، تأديبا من الله عن الركون إلى من سواه، واللياذ بمن لا تؤمن غلبة هواه، فرحم الله امرءا قهر هواه، وأطاع الإنصاف وقواه، ولم يعتمد العنت ولا قصد قصد من إذا رأى حسنا ستره وعيبا أظهره ونشره، وليتأمله بعين الإنصاف لا بعين الحسد والانحراف فمن طلب عيبا وجد وجد، ومن افتقد زلل أخيه بعين الرضا والإنصاف فقد فقد، والكمال محال لغير ذي الجلال.
Shafi 19