فإنا كنا ذكرنا في آخر كتابنا المؤلف في جمع ما حضرنا من الأخبار في "دلائل النبوة" أن أحدا ما يؤكد الاستدلال به على صحة نبوة الأنبياء اعتدال شمائلهم، وطهارة أخلاقهم، ودوام جريهم في سيرهم ومذاهبهم في أسباب الدين والدنيا على طريقة محمودة تدل ذواتهم عليها، على أنهم أمدوا في ذلك بقوة سماوية، لخروجهم - فيما يشاهدون عليه من لزوم هذه الطريقة - عما جبل عليه البشر من تلون الأخلاق، ودخول ما يمتد استعمالهم للمحمود منها في باب التكلف الذي لا يكاد يدوم، ولا يعرى صاحبه والآخذ نفسه به من تغير يلحقه.
ووعدنا إفراد كتاب يشتمل على ما يحضرنا من شمائل نبينا عليه السلام، بعد أن لم نخل "كتاب الدلائل" من أن ختمناه بخبرين في صفات النبي صلى الله عليه وسلم، وجملة من شمائله وأخلاقه، أحدهما: خبر هند بن أبي هالة، والثاني: خبر روي عن عائشة، ليكون "كتاب الدلائل" منتظما لأسبابها، وجامعا ما يحل محل الأصول والتوابع منها.
وقد عزمنا على كتب هذا الكتاب في الشمائل، ورأينا أن نقدم قبل ذكرها أخبارا في نسب النبي صلى الله عليه وسلم، وتاريخ مولده، ومبعثه، ومبلغ سنة أيام حياته، وفي صفة ما يحل محل الحلية من بدنه، إذ كان من تقدمنا سلكوا في تأليف الأخبار في الشمائل هذه الطريقة، فتبركنا باتباعهم رحمهم الله، ونحن نسأل الله التوفيق لإتمام ما شرعنا به، وأن ينفعنا والناظرين فيه بما رزقنا من العلم بحوده وسعة فضله.
Shafi 60