وقد يكون المقصود هو كما يريد الإسلامويون الدعوة إلى أسلمة العلوم، وهذه دعوة يائسة وغوغائية؛ إذ كيف نؤسلم علم الرياضيات؟! وهل نعود إلى الخوارزمي والبيروني؟ وكيف نؤسلم نظريتي النسبية العامة والخاصة، أو نظرية الكم أو نظرية التطور أو أركيولوجيا الحضارات؟
إننا لو قضينا عشرات القرون في ظل شعارات مبهمة وملتوية لن نحصد غير الوهم .. حصادنا منذ قرون. أفهم أن نتنافس من أجل صياغة القضية، قضية تخلفنا ومظالمنا، على نحو علمي موضوعي صحيح، وتكون لنا نظريتنا عن تطور مجتمعاتنا وفكرنا وتراثنا .. إلخ. حري أن تواتينا الجرأة ونقرر أن المجتمعات الإسلامية على اختلاف مواقعها الجغرافية هي مجتمعات متخلفة، وبينها وبين حضارة العصر هوة مهولة ومروعة. وليس مطلوبا أسلمة العلوم، بل علمية عقل المسلمين؛ أن يلتزم المسلمون بالفكر العلمي ثقافة، وبالعلم منهج بحث وتطبيق في شئون الحياة، وأن تكون لنا مراكز علمية وإبداعات علمية وعلماء.
إن الدين؛ القيم والأخلاق دون الشكليات الفارغة والرطان الأجوف، ليس ضد العلم الذي هو إعمال العقل والفهم المنهجي النسقي للظواهر .. ظواهر الطبيعة والمجتمع. ولكن الشعارات المعماة والمبتسرة ابتغاء مصالح سياسية «دنيوية» هي ضرب من التجهيل والتضليل للعامة، وتخليد لواقع متخلف، ونعرف أن الدين الإسلامي ضد الجهل والجاهلية وضد الضلال والضالين المغضوب عليهم.
أجدر بنا أن نكف عن شعار مبتسر مثل «الإسلام هو الحل» أو عن شعار غوغائي مثل «أسلمة العلوم»، وأن ندعو إلى نهضة المجتمعات الإسلامية في مجال العلوم المختلفة .. الدين فطرة .. قواعده بسيطة يلتزم بها العامة والخاصة، وإن الأخذ بأسباب النهضة العلمية ليس خروجا عنها، وإنما العلم والإبداع العلمي والتكنولوجي سبيلنا لامتلاك ناصية حضارة العصر أو اللحاق بركب التقدم. إذا تحقق لنا هذا سوف يشير علماء العصر إلى علماء المجتمعات الإسلامية ويقولون هؤلاء قوة دفع حضاري ومصدر زاد علمي ننهل منه.
الديمقراطية والشورى
ونظلم أنفسنا والإسلام والفكر العلمي حين نزعم أن الشورى هي الحل الإسلامي العصري شأن الديمقراطية؛ ذلك لأن الديمقراطية عملية تطويرية تاريخية بدأت قرينة مجتمع نشأ حديثا مع حضارة عصر التصنيع وآخذة في التطور ليغتني محتواها مع مر العقود والثراء الحضاري. ولقد كانت الشورى آلية ملائمة لإدارة شئون المجتمع في عصر مضى يحكمه الشيخ أو الولي ومعه من يختارهم هو من أهل الحل والعقد دون حق الإلزام. ولكن التنظيم الديمقراطي آلية مستحدثة ومتطورة وإن تعددت صورها وفقا لظروف كل مجتمع.
ونظلم الدين إذا زعمنا أنه نظم ونص على - وأعود لأقول نظم ونص على - حقوق المواطنين من العامة وواجباتهم دون تمييز إزاء المشاركة في صنع القرار والمحاسبة وإقالة أو تنصيب الحاكم وتنظيم شئون إدارة المجتمع، وتشكيل الأحزاب والنقابات وتوصيف السلطات والمؤسسات الاجتماعية وأساليب حسم الخلافات والتزام المستويات الاجتماعية المختلفة بهذا كله .. إلخ؛ أي ما نسميه الديمقراطية وهي نظام أو آلية متطورة أبدا وليست وصفة كاملة منتهية. هذا عن الواقع المحلي ناهيك عن المنظمات الدولية وعلاقاتها والمنظمات غير الحكومية وما قد يستجد من تشكيلات غير مسبوقة.
الافتراء على الدين باسم الدين
الفكر الإنساني يرفض الآن كل مقولة عن وجود نسق فكري كامل وتام وناجز يحسم كل مشكلات البشر على اختلاف الزمان والمكان، ومغلق دون أي فكر جديد. وإن الإسلامويين بادعاءاتهم هذه يورطون الإسلام الدين في غير ما تطرق إليه، ويتجاوزونه من حيث لا يدرون، بل يضعون الفكر الإسلامي، لا الدين، في موضع التقصير؛ لأن الدين القيم أجل وأعظم من مزاعمهم حين نلتزم به قيما هادية. وأجدر بنا لكي نكون صادقين مع شعبنا الذي عانى الكثير وعرف مذلة التخلف بسبب المقولات الساذجة، ولا أقول المغرضة، أن نتخلى عن أخلاقيات المراوغة في الحوار، وأن نكون على مستوى المسئولية ولا ننطق في شئون الدنيا إلا حقا وعلى هدى فكر علمي موضوعي رصين وأصيل.
المجتمع العلمي هو الحل
Shafi da ba'a sani ba