109

كانت الرموز وحروف الجفر قراءة المتطلعين من عشاق الألغاز والأفانين، وكانت خصائص الأسلوب قراءة الأدباء المتخصصين، وبقيت بعد هذين النوعين قراءة أخرى أعم منهما وأدنى إلى بديهة الإنسان من القراءات الخاصة أو قراءات المتخصصين؛ لأنها تتناول طبيعة العقل الإنساني التي تعني الإنسان في كل أمة وفي كل زمان. •••

أهم وأجدى من الرموز ومن خصائص الأساليب، نظرات الباحثين في طبائع الفكر وعادات العقل الإنساني وخوارقه، وفيما يلهمه بالفطرة وما يكسبه بالتعليم والخبرة، وفي معنى العبقرية ومعنى النبوغ ومعنى الإدراك اللدني والإدراك بالوسيلة والدراسة، وهذا هو مجال البحث الذي طوى كل بحث يتناول الشك في أصالة شكسبير؛ لأنه يقيم هذا الشك على مقدار المعلومات التي لا بد منها لمن يبدع المؤلفات المنسوبة إليه.

شكسبير لم تتهيأ له المعلومات الضرورية لتأليفها.

شكسبير لا حاجة به إلى معلومات غير معلوماته التي استفادها من دراسته وتجارب حياته، واستلهمها من فطنته ووحي عبقريته.

وبين هذين القطبين المتقابلين تموج الأقوال والآراء وتتدافع الوقائع والنظريات بين المنكرين والمعجبين، وتعمل العاطفة عملها مع ما يعمله الدرس ويعمله الخيال، فيذهب الخلف كل مذهب، ويخيل إلينا أن القطبين يستديران من آونة إلى أخرى، فلا ندري أين يكون المنكرون وأين يكون خصومهم المعجبون.

فالمنكرون لشكسبير يبالغون جهد المبالغة في تعظيم الأعمال المنسوبة إلى شكسبير، ليقولوا إنها أعظم من طوقه وأبعد من ذرعه، وأحجى أن تكون من عمل غيره.

والمعجبون بشكسبير يبالغون من الجانب الآخر في إحصاء العيوب والتنبيه إلى مواطن الجهل والخطأ، ليقولوا إن هذه المؤلفات لا تأتي ممن تعلم تعليم باكون وروتلاند وأكسفورد، وتعليم مارلو وشعراء عصره المثقفين.

وعلى هذه القضية - قضية المعلومات - تدور رحى المعركة التي هدأت من جانب المختلفين على الرموز ومن جانب الباحثين في خصائص الأساليب، ولكنها في هذا الجانب لا تزال إلى السنة الأخيرة تتلقى المدد من حين إلى حين، وفيما يلي خلاصة تلملم من شعث هذه المعركة ما يستطاع الإلمام به في حيز هذه الصفحات: يقول المنكرون إن المؤلفات المنسوبة إلى شكسبير تدل:

أولا:

على السياحة الواسعة في القارة الأوروبية.

Shafi da ba'a sani ba