195

Bishiya Da Ke Girma a Brooklyn

شجرة تنمو في بروكلين

Nau'ikan

وحين وصلوا إلى البيت وجدوا أن الجيران في الشقة وقد أتموا ترتيبها، وأعادوا الأثاث إلى مكانه في الحجرة الأمامية، وكسوا الأوراق الذابلة وأوراق أكمام الزهور التي سقطت على الأرض، وفتحوا النوافذ وغيروا هواء الحجرات، وأحضروا فحما وأشعلوا نارا كبيرة في موقد المطبخ، ووضعوا قماشا أبيض نظيفا على المائدة، وأحضرت الآنستان تنمور كعكة كانتا قد خبزتاها بنفسيهما ووضعتاها في طبق بعد أن قطعتاها، وأحضرت فلوس جاديس وأمها قطعة كاملة من شرائح اللحم ووضعتاها في طبقين إلى جانب سلة تمتلئ بخبز الجويدار المقطع الطازج وأقداح القهوة المعدة على المائدة، وكان على الموقد وعاء مليء بالقهوة الطازجة، ووضع أحدهم في وسط المائدة ماعونا من القشدة الحقيقية، وكلهم فعلوا ذلك حينما كانت أسرة نولان خارج البيت، ثم انصرفوا وأغلقوا الباب خلفهم، ووضعوا المفتاح تحت الحصيرة.

وجلست الخالة سيسي وإيفي والأم وفرانسي ونيلي إلى المائدة، وأفرغت الخالة إيفي القهوة، وجلست كاتي وقتا طويلا تنظر إلى قدحها، ثم تذكرت المرة الأخيرة التي جلس فيها جوني إلى هذه المائدة، وفعلت ما فعله جوني، إذ دفعت القدح بذراعها بعيدا، ووضعت رأسها على المائدة وبكت في نشيج يحزن القلب، وأحاطتها سيسي بذراعيها وقالت لها في صوتها الحنون الذي يفيض حبا: كاتي! كاتي لا تبكي هكذا، لا تبكي هكذا، وإلا أصبح الطفل الذي سيخرج من أحشائك قريبا إلى هذا العالم طفلا حزينا.

37

وبقيت كاتي في الفراش نهار اليوم الذي تلا الجنازة، وتجول نيلي وفرانسي مبلبلي الخاطر في أنحاء المسكن، وقد تملكتهما الحيرة والذهول، ونهضت كاتي قرب المساء وأعدت لهما بعض الطعام للعشاء، وحثتهما بعد أن أكلا على أن يخرجا للسير على الأقدام بعض الوقت، قائلة إنهما في حاجة إلى الهواء الطلق.

وسار نيلي وفرانسي مصعدين في شارع جراهام متجهين إلى برودواي، وكانت ليلة قارسة البرد ساكنة الهواء لا تغشاها الثلوج، والشوارع خالية من المارة، وكان قد انقضى على عيد الميلاد ثلاثة أيام، وأوى الأطفال إلى بيوتهم يلعبون بلعبهم الجديدة، وأنوار الشارع هزيلة ضئيلة، وهبت ريح ثلجية ضعيفة من البحر قريبا من الأرض، فأثارت قصاصات الأوراق القذرة حول البالوعات، وكانا قد ودعا عهد الطفولة في الأيام القليلة الأخيرة، ومر بهما عيد الميلاد دون أن يشعرا به، ذلك أن أباهما مات في يوم من أيام عيد الميلاد، وضاع عيد ميلاد نيلي الثالث عشر في الأيام القليلة الأخيرة.

ووصلا إلى المسرح الفكاهي الكبير وقد تلألأت واجهته بالأنوار الزاهية، وحيث إنهما كانا مشغوفين بالقراءة، يقرآن كل ما تقع عليه عيونهما، فقد توقفا وقرآ بلا وعي قائمة المشاهد التي كانت ستمثل في ذلك الأسبوع، ورأيا تحت المشهد السادس إعلانا كبيرا كتب بالحروف الكبيرة «هنا في الأسبوع القادم! تسمعون تشونسي أسبورن المطرب المحبوب، يغني أغانيه المحبوبة! فلا تدعوه يفوتكم!» المطرب المحبوب ... المطرب المحبوب ... المطرب المحبوب.

ولم تكن دمعة واحدة قد طفرت من عيني فرانسي منذ وفاة أبيهما، وكذلك كان نيلي، وشعرت فرانسي الآن أن جميع الدموع التي اختزنتها قد تجمدت وتجمعت في حلقها، وغدت كتلة صلبة تنمو وتنمو ... وأحست أنها سوف تموت سريعا هي الأخرى، ما لم تذب تلك الكتلة سريعا وتستحل دموعا، ونظرت إلى نيلي، ورأت الدموع تتساقط من عينيه فانهمرت الدموع من عينيها أيضا.

واستدارا إلى شارع جانبي مظلم، وجلسا على طرف الطوار، وقد تدلت أقدامهما في الحمأة، وتذكر نيلي رغم بكائه أن يبسط منديله على حافة الطريق حتى لا يتسخ سرواله الجديد، وجلسا متلاصقين لأنهما يشعران بالبرد والوحدة، وأخذا يبكيان طويلا في هدوء وهما يجلسان في الشارع البارد، وأخيرا تكلما حين عجزا عن الاستمرار في البكاء: نيلي! ألم يكن مناص من أن يموت أبونا؟ - إني لأحسب أن الله شاء له أن يموت. - لماذا؟ - ربما ليعاقبه! - ليعاقبه علام؟

وقال نيلي في تعاسة : لا أدري! - هل تظن أن الله هو الذي أوجد أبي في هذا العالم؟ - نعم! - إذن كان يريد له أن يحيا؟ أليس كذلك؟ - أظن ذلك! - لماذا إذن جعله يموت بهذه السرعة؟

ورد نيلي دون أن يعلم جوابا آخر: ربما ليعاقبه. - إذا كان ذلك صحيحا فما وجه الخير فيه؟ إن أبي مات وهو لا يعلم أنه يعاقب، إن الله قد سوى أبي على الصورة التي كان عليها، ثم قال لنفسه: إنك لن تجرؤ على أن تغير من أمرك شيئا، إني أراهن أنه قال ذلك.

Shafi da ba'a sani ba