فأجاب بصوت متهدج: الذنب، وإنه لكبير! - أما زلت تذكر ذلك؟ - وكيف لي بالنسيان؟ - ولكني لم أحضر لإحياء ذكريات تافهة.
فتشجع قائلا: لقد اختل الميزان وانفرط العقد. - وتروم الاهتداء إلى أساس مكين؟ - بكل ما أملك من قوة. - حسن، ركز فكرك جيدا وأجب بأمانة على ما أسألك عنه. - ستجدني طوع أمرك يا أبي.
فهتف بإنكار: لست أباك! - لست أبي؟! - وتصورك هذا يقطع بأنك ما زلت تعيش في عصر حجري! - ولكنها علاقة حقيقية لا ينكرها أحد. - بل علاقة خاصة تعيقك عن الرؤية الصحيحة.
شعر بأن عليه أن يجاريه، لا أن يناقشه، فقال: معذرة عن خطأ وقعت فيه بحسن نية. - أجبني، ما أهم حدث وقع لك في طفولتك؟ - لا أذكر، لعل طفولتي مرت دون أحداث تستحق الذكر. - إجابة عمياء تنذر بعواقب سخيفة. - الحق أني ... - أجبني، ما أكبر خطيئة ارتكبتها في شبابك؟
استعد ولم يجب، فقال الرجل: ما زلت تخجل مما لا يدعو للخجل، وهو نذير بأنك ستباهي بما يجدر بك أن تخجل منه. - آسف ... - أجبني، كم شخصا قتلت؟ - لم أقتل أحدا والحمد لله. - ألم يشرع أحد في قتلك؟ - كلا، ماذا جعلك تظن بي ذلك؟
تنهد الأب بصوت مسموع، فقال الرجل: عشت حياة طيبة ... - طيبة! - لم يشبها سوى أخطاء بسيطة، مثل ذلك ... - لا يهمني أن أسمع إلى أخطاء بسيطة ... - وقدمت للمجتمع خدمات لا بأس بها. - لا بأس بها! - ما الذي يهمك حقا يا أبي؟ - أبي مرة أخرى! - معذرة! - ذهب العمر هباء ... - ماذا تريدني على أن أفعل؟ - يا لضيعة لقاء ينتهي بالسؤال الذي بدأ به! - لكنك لم تقل شيئا. - قلت كل شيء.
واختفى الأب. اختفى دون أن تقع عليه عين الرجل، ولكنه شعر بذهابه وشعر بخيبة أمل مريرة.
غير أنها لم تطل؛ وجد نفسه يميل إلى تصديقه فيما قال من أنه قال كل شيء، ما عليه إلا أن يستعيد أقواله.
ومضى يتذكر. وقال لنفسه: ليس هذا العيد كالأعياد السابقة؛ رأسي يدور، وينثر في دورانه ما استقر فيه من أفكار، كل شيء يتطاير.
ومضى يتذكر. ولكنه عوجل بحضور الممرضة، تصافحا بمودة. راقبها وهي تعد الحقنة معجبا بشبابها الغض.
Shafi da ba'a sani ba