فقال الصديق: لا تخلو حياة من المر مهما تكن حلوة، وأشهد أني ما سمعت زوجة صديقي تشكو قط. - ذلك أنها من الصابرات الصديقات! - لو كان هناك ما يدعو للشكوى لشكت ... - حتى الجوع! .. تضورت أياما من الجوع!
فصاح الزوج: الجوع!
وقال الصديق: لعلها تشير إلى الأيام التي ندرت فيها اللحوم؟
فقال الزوج: على أيامك يا حماتي أكل الناس لحوم الخيل.
فهتفت المرأة في كبرياء: كانت أيام بلاء واحتلال. - على أي حال فنحن سعداء، ولن نسمح لمخلوق بإفساد حياتنا السعيدة!
دوت صرخة وراء الباب المغلق فألجمت الألسن. أسرعت المرأة الحجرة فأغلقت الباب وراءها.
عاد الصديقان إلى مجلسهما، وعاد التوتر يركب الزوج جسدا وروحا. لم يجد من يفرغ فيه شحنة قلقه سوى صديقه فقال له: كلامك جاوز كل حد. - كثيرا ما أنسى نفسي في الحديث فيغلبني الصدق. - قد يغلبك الصدق مرة أخرى فتخرب بيتي.
وقبل أن يرد عليه دق جرس الباب الخارجي. قام الزوج فاستقبل زائرا جديدا في تلك الساعة من الليل. عجوز طاعن في السن. لو قدر عمره بتجاعيد وجهه وغضونه لجاوز المائة، ولكنه تمتع بحيوية لا بأس بها. وهو نحيل لدرجة مخيفة كأنه محض عظام؛ برزت وجنتاه وفكاه وغارت عيناه فلم يبد في محجريهما إلا ظلام. وتربع رأسه فوق عنقه الدقيق ضخما أصلع، منبعج الجبين. وعكس الوجه هيئة جامدة؛ بل متحجرة، وندت عن القدمين خطوات متقاربة غير مسموعة. قبل الزوج يده المدبوغة، قدم إليه صديقه، قدمه هو باعتباره صديق المرحوم أبيه والمرحوم جده من قبل، وجاءه بفوتيل فأجلسه بينهما وهو يقول: لم أتوقع أن تتجشم مشقة الحضور في هذه الساعة يا عماه.
فقال العجوز بصوت غائر مثل عينيه: طال انتظاري للبشرى فقررت زيارتك. - ما كان ينبغي أن تكلف نفسك هذا التعب. - هل من خدمة يمكن أن أقدمها لك؟ - لا مطلب لي إلا زوجتي. - يخيل إلي أنها ولادة عسيرة حقا؟ - قالت الطبيبة إنها ستلد ولادة طبيعية. - عظيم! - ولكنها طالت كما ترى. - هذا واضح. - وعندما أتذكر المرتين السابقتين؟ ... - المؤمن لا يخاف ولا يقلق.
فقال الصديق: هذا ما رددته له مرارا.
Shafi da ba'a sani ba