ولبث يلهث ويتقلب في النشوة، ويتعلق بجنون بالأفق، وتنفس تنفسا عميقا كأنما ليسترد شيئا من قوته عقب شوط من الركض المذهل، وشعر بدبيب آت من بعيد، من أعماق نفسه. دبيب إفاقة ينذر بالهبوط إلى الأرض. عبثا حاول دفعه أو تجنبه، أو تأخيره. راسخ كالقدر، خفيف كالثعلب، ساخر كالموت. تنهد من الأعماق واستقبل موجات من الحزن، وأفاق والضياء يضحك.
رجع إلى مجلسه بالسيارة، ودفعها بلا حماس، ونظر إلى الطريق بفتور كأنما يخاطب شخصا أمامه: هذه هي النشوة.
وقال بعد صمت: اليقين بلا جدال ولا منطق.
ثم بصوت مسموع أكثر: أنفاس المجهول وهمسات السر.
وتساءل وهو يزيد من سرعة السيارة: ألا يستحق أن ينبذ كل شيء من أجله؟
14
استيقظ في عشه الخالي على رنين جرس التليفون فتناول السماعة، وجاءه صوت مصطفى: أين كنت طوال الليل؟
ولما لم يجب قال: زينب في مستشفى الولادة.
ومرت لحظات قبل أن يفقه المعنى، ثم تذكر أنه زوج وأب ، وأن مزيدا من الأبوة ينتظره.
وفي بهو الاستقبال بالمستشفى وجد مصطفى، وبثينة، وعليات زوجة مصطفى؛ وهي امرأة رزينة قوية الشخصية في الأربعين من العمر، ممتلئة مع ميل إلى القصر، مستديرة الوجه والقسمات. ولما جاء دور بثينة في المصافحات مدت له يدها، وهي تغض البصر لتخفي وجومها.
Shafi da ba'a sani ba