ومنعا للخيالات الغريبة لعب التلفزيون دوره، فجعلا ينتقلان بين القنوات الثلاث. وسأل مصطفى عنهما بالتليفون مرة فدعته إلى العش. ووجدت فيه رجلا يؤلف دون عناء، فأغرته بتكرار الزيارة. وسأله مصطفى عن الشعر ومدى ما بلغه من خياله، فأجابت وردة: إنه يكتب شعرا.
ولكن عمر احتج قائلا بازدراء: ما هو إلا إجهاض، وقد مزقته.
فقال مصطفى مواسيا: السعادة أهم من الشعر.
وأوشك أن يسأله: «ولكن ما هي السعادة؟» ولكنه أشفق من العينين الرماديتين اللتين ترمقانه باهتمام. وبفضل التلفزيون والراديو ومصطفى تخففا من الحديث المعاد. وقال لنفسه: «يا إلهي!» وتخيل أنه استحوذ على قوة سحرية، وراح يستعملها في تسلية الناس، كأن يخفي في غمضة عين دار الأوبرا حتى يتجمع الناس ذاهلين، ثم يعيدها في غمضة عين حتى يتصايح الناس من الذهول. ما أحوج الناس إلى جرعات مماثلة من السحر! وقال لنفسه مرة أخرى: «يا إلهي!» وحدجها بنظرة ناعمة، فسألته: لماذا لا تدعو أصدقاءك للسمر واللهو؟
فقال بهدوء: لا صديق لي إلا مصطفى.
وشعر بأنها تداري إنكارا موضحا: لا أعتبر الزملاء والمعارف من الأصدقاء.
فعملت من ناحيتها على أن يكثرا من الخروج، وأن يمضيا السهرات ما بين السينما والمسرح، بل والملاهي الليلية. وقالت: هذا أفضل من البقاء وحدنا في البيت.
فوافق برأسه، ولكنها رنت إليه بعتاب قائلة: أول مرة يخفق ذكاؤك في مجاملتي.
فقال بعد فوات الفرصة: قصدت الثناء على مشروعاتك اللطيفة. - أما أنا فلا أمل معاشرتك وحدك إلى الأبد. - ولا أنا صدقيني.
وسخط على غفلته. وقال لنفسه للمرة الثالثة: «يا إلهي!» أما مصطفى فلم يخف عنه إعجابه بسعادته. وقال له يوما وهو يجالسه في مكتبه: حدثني عن حبك؛ فإنه سيحملني في النهاية على اعتناق آراء جديدة في الحياة.
Shafi da ba'a sani ba