ومضت البنتان إلى سينما سان استفانو، ثم واصل كلاهما المشي متقاربين. وإذا بها تتأبط ذراعه، وتهمس متسائلة: عمر ... ماذا عندك؟
ألقى نظرة باسمة على ما حوله، وقال: ما أكثر الغرام! - هو كذلك دائما، ولكن ماذا عندك؟
فقال ممعنا في التجاهل: بثينة لا تعرف أشياء كثيرة، فكرت في ذلك وأنا ...
فقاطعته نافدة الصبر: إني أعرف ما علي، والبنت معدنها نفيس، ولكنك تهرب.
ما أشد استجابة نفسك ل «تهرب»، كأنها مفتاح سحري يلقى إليك في جب. - أهرب؟ - أنت فاهم ما أعنيه فاعترف. - بأي جريمة؟ - بأنك لم تعد أنت.
ما أحوج الرطوبة اللزجة إلى عاصفة هوجاء! - حقا؟ - جسمك وحده الذي يعيش بيننا، وأحيانا أحزن لحد الموت. - ولكنني أتداوى بعزيمة صادقة كما لا بد تشهدين. - الحق أني أتساءل عن السبب وراء ذلك كله، أطوارك جعلتني أتساءل من جديد. - لكننا شخصنا الحال بما فيه الكفاية. - أجل، ولكن ألا يضايقك شيء بالذات؟ - أبدا. - يجب أن أصدقك. - لكنك لا تصدقين تماما فيما يبدو. - ظننت أن أمرا ضايقك، في المكتب، في المحكمة، عند أحد من الناس، وأنت حساس وبارع في الحزن المكتوم. - أنا لم أقصد الطبيب إلا لأنني لم أعثر على سبب محسوس. - لم تحدثني كيف بدأت الحال. - طالما حدثتك عن ذلك. - عن النتائج فقط، ولكن كيف بدأ الحال على وجه التدقيق؟
وها هي رغبة مستهترة في الاعتراف تدفعك. - من الصعب أن أحدد تاريخا، أو أن أقرر كيف بدأ التغير، لكنني أذكر أنني كنت مجتمعا بأحد المتنازعين على أرض سليمان باشا، وقال الرجل: أنا ممتن يا إكسلانس، أنت محيط بتفاصيل الموضوع بدرجة مذهلة حقيقة باسمك الكبير، وإن أملي في كسب القضية لعظيم. فقلت له: وأنا كذلك. فضحك بسرور بين، وإذا بي أشعر بغيظ لا تفسير له، وقلت له: تصور أن تكسب القضية اليوم وتمتلك الأرض، ثم تستولى عليها الحكومة غدا. فهز رأسه في استهانة، وقال: المهم أن نكسب القضية، ألسنا نعيش حياتنا ونحن نعلم أن الله سيأخذها؟ فسلمت بوجاهة منطقه، ولكن ذهل رأسي بدوار مفاجئ، واختفى كل شيء.
رمته بنظرة داهشة، وسألته: أكان هذا هو السبب؟ - أبدا ... لا أعرف سببا على التحديد، ولكني كنت أعاني تغيرا خفيا مستمرا. من هنا جاء تأثري الذي لا معنى له بكلام الرجل الذي تردده الملايين كل ساعة، دون أن يحدث أي أثر لأي إنسان. - طبعا، أنت لا تفكر في الموت إلا كما يفكر العقلاء.
ترى كيف يفكر العقلاء في الموت؟! - هذا مسلم به من حسن الحظ.
وهي تحدجه مستطلعة: وهل كرهت العمل بعد ذلك؟ - لا ... لا أستطيع أن أقطع برأي في ذلك، ربما قبله وربما بعده. - الحق أني حزينة بدرجة لا أحب أن أحدثك عنها. - ولكن هل يهمك العمل لهذا الحد؟ - أنت من يهمني، أنت وحدك.
Shafi da ba'a sani ba