مسح الرطوبة عن جبينه وساعديه، وصمم بإرادة هائلة على أن ينتزع من نفسه أية نية عبث، أو سخرية، أو استهانة. وقال بجدية: إذن فأنت تعشقين سر هذا الوجود؟
أجابت في توتر حل محل شجاعتها التلقائية: هذا جائز جدا يا بابا.
ما أحمقنا عندما نظن أنفسنا أغرب من الآخرين! - كيف حصل ذلك؟ - لا أدري ... من الصعب أن أوضح، ولكني وجدت في ديوانك بدء الطريق.
وضحك ضحكة عضلية خالصة، وقال: مؤامرة عائلية! أمك كانت تعرف من زمن، وأطلعتك على ذلك الشيء الذي تسمينه ديوانا. - لكنه شعر رائع ... وكم أنه ملهم!
وضحك ضحكة عالية لفتت إليه عازف البيانولا الذي كان يرسل على الكورنيش أنغامه المتشنجة. - أخيرا وجدت معجبة! ولكنه لم يكن شعرا، كان أوهاما محرقة. ومن حسن الحظ أني تركته في الوقت المناسب. - أما أنا فوجدت فيه ما أهيم به. - إذن فأنت خالقة حتى في قراءتك! - أنت تقول هذا! - وهذا هو حبيبك؟ - كما أنه حبيبك.
كان. لا حبيب الآن، القلب لم يعد يفرز إلا الضياع. وبين النجوم يترامى الفراغ والظلام، وملايين السنين الضوئية. - ما رأيك يا أبي؟ - لمثلك ينبغي أن أقول: افعلي ما تشائين.
فتساءلت في مرح: ومتى تعود إلى الشعر؟ - ادعي الله أن أعود إلى مكتبي أولا. - إني أعجب كيف هان عليك أن تهجره؟
فقال وهو يداري ابتسامة حياء: كان لهوا ليس إلا. - والديوان يا بابا؟ - توهمت يوما أنني سأستمر. - ولكني أسألك عما أوقفك.
تداخلت شفتاه في سخرية، ولكن سرعان ما ارتفع إلى حال من الجدية الصادقة، ودفعته رغبة صريحة إلى الاعتراف؛ فقال: لم يسمع لغنائي أحد.
أضر بك الصمت. وقال مصطفى محرضا: المثابرة والصبر!
Shafi da ba'a sani ba