Sha'er Al Million: Sharia Mistakes and Poetic Fallacies
شاعر المليون أخطاء شرعية، ومغالطة شعرية
Mai Buga Littafi
بدون
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤٢٩ هـ
Nau'ikan
شَاعِرُ المَلْيُون
أخْطَاءٌ شَرْعِيَّةٌ، ومُغَالَطَةٌ شِعْرِيَّةٌ
تَألِيْفُ
ذِيَابُ بنُ سَعْد آل حَمْدانَ الغَامديُّ
1 / 1
تَقْرِيْظُ الشَّيْخِ المُحَدِّثِ عَبْدِ الله السَّعْدِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيْنَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُوْلِنا مُحَمَّدٍ الأمِيْنِ، عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ، وأتَمُّ التَّسْلِيْمِ.
أمَّا بَعْدُ:
- إنَّ مِنَ الأمُوْرِ الخَطِيْرَةِ الَّتِي اشْتَغَلَ بِهَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ في هَذِهِ الأوْقَاتِ المُتَأخِّرَةِ ما يُسَمَّى بشَاعِرِ المَلْيُون، إذْ حَصَلَ بسَبَبِهَا أضْرَارٌ وأخْطَارٌ؛ فأصْبَحَتْ حَدِيْثَ النَّاسِ في مَجَالِسِهِم، وأَنِيْسَهِم في مَسَامِرِهِم.
- ولا يَشُكُّ عَاقِلٌ مَا لهَذِهِ الفِتْنَةِ مِنْ أخْطَارٍ وأضْرَارٍ؛ فمِنْ ذَلِكَ:
- إحْيَاءُ العَصَبِيَّاتِ والنَّعَرَاتِ الجَاهِلِيَّةِ، بَلْ وَصَلَ الأمْرُ إلى الطَّعْنِ بالأنْسَابِ والفَخْرِ بالأحْسَابِ.
أخْرَجَ مُسْلِمٌ في صَحِيْحِهِ (٩٣٤) مِنْ طَرِيْقِ أبَانَ يَزِيْدَ أنَّ أبَا سَلَّامٍ حَدَّثَهُ أنَّ أبَا مَالِكٍ الأشْعَرِيِّ حَدَّثَهُ أنَّ رَسُولَ الله ﷺ قَالَ: "أرْبَعٌ في أمَّتِي مِنْ أمْرِ الجَاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُوْنَهُنَّ: الفَخْرُ بالأحْسَابِ، والطَّعْنُ بالأنْسَابِ، والاسْتِسْقَاءُ بالنُّجُوْمِ، والنِّيَاحَةُ"
1 / 3
- ومِنْ الأضْرَارِ العَظِيْمَةِ؛ جَعْلُ الأمَّةِ تَعِيْشُ في سَاقِطِ الأمُوْرِ وسِفْسَافِهَا، وإشْغَالُهُم عَنْ قَضَايَاهَا المَصِيْرِيَّةِ، ومَا تُعَانِيْهِ مِنْ تَسْلِيْطُ الأعْدَاءِ وكَيْدِهِم.
مَعَ مَا صَاحَبَ ذَلِكَ مِنْ هَدْرٍ للأوْقَاتِ والأمْوَالِ في غَيْرِ طَاعَةِ الله ﷿، العَبْدُ مَسْئُوْلٌ عَنْ عُمْرِهِ فِيْما أفْنَاهُ.
نَاهِيْكَ عَنْ وُجُودِ المَزَامِيْرِ، والاخْتِلاطِ، وظُهُوْرِ النِّسَاءِ مُتَبَرِّجَاتٍ، نَسْألُ الله السَّلامَةَ والعَّافِيَةَ!
- وقَدْ أجَادَ وأفَادَ فَضِيْلَةُ الشَّيْخِ/ ذِيَابُ بنُ سَعْدٍ الغَامديُّ في كِتَابِهِ أيُّما إيْجَادٍ، وأبَانَ المَخَاطِرِ والمَحَاذِيْرَ الشَّرْعِيَّةَ لما يُسَمَّى "بشَاعِرِ المَلْيُوْنِ"، فنَسْأَلُ الله أنْ يُجْزِلَ لَهُ الأجْرَ والمَثُوْبَةَ، وأنْ يُبَارِكَ في جُهُوْدِهِ، والله وَليُّ التَّوْفِيْقِ.
والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُوْلِهِ ﷺ.
عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرَّحمَنِ السَّعْدُ
(١/ ٥/١٤٢٩ هـ)
1 / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيْنَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على عَبْدِهِ ورَسُوْلِه الأمِيْنِ.
أمَّا بَعْدُ: فإنَّ قُرُوْحَ الدَّعَوَاتِ الطَّائِشَةِ لم تَزَلْ تَمَسُّ أفْئِدَةَ الأمَّةِ الإسْلامِيَّةِ حِيْنًا بَعْدَ حِيْنٍ مُنْذُ اسْتِيْلاءِ الحَمَلاتِ الصَّلِيْبِيَّةِ على أكْثَرِ بِلادِ المُسْلِمِيْنَ إلى وَقْتِنَا هَذَا.
وهَكَذَا في مَنْظُوْمَةٍ عَدَائِيَّةٍ آثِمَةٍ لم تَزَلْ تَبْعَثُهَا ذَمِيْمَةً في جَسَدِ الأمَّةِ الإسْلامِيَّةِ ما بَيْنَ تَشْكِيْكٍ لدِيْنِهَا، وتَفْرِيْقٍ لوِحْدَتِها، وتَغْرِيْبٍ للغُتِهَا ... كُلُّ ذَلِكَ لتَقْضِيَ على مَا بَقِيَ مَنْ عَلائِقِ إرْثِهَا مِنْ قُرْآنٍ وسُنَّةٍ ولُغَةٍ.
إنَّ شَأنَّا كهَذَا كَانَ مُوْجِبًا على الكَافَّةِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ: حُكَّامًا ومَحْكُومِيْنَ كِبَارًا وصِغَارًا أنْ يَسْتَيْقِظُوا بَعْدَ غَفْلَةٍ، وأنْ يَأخُذُوا بجَادَّةِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ عَقِيْدَةً ومَنْهَجًا كَي يُعِيْدُوا للأمَّةِ عِزَّهَا، وللُّغَةِ فَضْلَهَا.
* * *
- ومِنْ هُنَا؛ كَانَ المُسْلِمُوْنَ هَذِهِ الأيَّامَ يَعِيْشُوْنَ حَيَاةً مُضْطَرِبَةً؛
1 / 5
حَيْثُ كَانَ حَظُّهَا مِنَ الهَوَانِ والذُّلِّ الكَأسَ الأوْفى، ومِنَ الجَهْلِ والتَّفْرِيْقِ القِدْحَ المُعَلَّى، والله المُسْتَعَانُ!
ومَا كَانَ هَذَا حَدِيْثًا يُفْتَرَى، بَلْ حَقِيْقَةٌ مَاثِلَةٌ للشَّاهِدِ مِنَّا والغَائِبِ، وإنْ كَانَ مِنْ حَقِيْقَةٍ أخْرَى فَلا شَكَّ أنَّ وَرَاءَ هَذَا كُلِّهِ مُخَطَّطَاتُ أعْدَاءِ الإسْلامِ الَّتِي لم تَزَلْ تُحَاكُ ضِدَّ المُسْلِمِيْنَ سَوَاءٌ كَانَتْ عَسْكَرِيَّةً جَلِيَّةً، أو فِكْرِيَّةً خَفِيَّةً.
نَعَمْ، لَقَدْ كَانَ لهَذَا العَدَاءِ السَّافِرِ صُوَرٌ شَتَّى، وطَرَائِقُ مُخْتَلِفَةٌ، ومَهْما يَكُنْ مِنْ خَطَرٍ أو شَرٍّ، إلاَّ أنَّ أعْتَاهَا أمْوَاجًا وأقْوَاهَا تموُّجًا: الاسْتِشْرَاقُ الَّذِي مَا فَتِئَ يَضْرِبُ شَواطِئَنَا بأمْوْاجٍ عَاتِيَةٍ وذَلِكَ مِنْ خِلالِ الدِّرَاسَاتِ اللُّغَوِيَّةِ، ونَشْرِ اللَّهَجَاتِ العَامِيَّةِ بَيْنَ أبْنَاءِ المُسْلِمِيْنَ!
* * *
- فَكَانَ مِنْ هَذِهِ الأفْكَارِ المُتَسَرِّبَةِ إلى عُقُوْلِ النَّاشِئَةِ الَّتِي عَصَفَتْ رِيْحُهَا في جَزِيْرَةِ العَرَبِ مُنْذُ سَنَتَيْنِ أو يَزِيْدُ: الدَّعْوَةُ السَّافِرَةُ إلى العَامِيَّةِ المُتَمَثِّلَةِ فِيْما يُسَمَّى بـ «شَاعِرِ المَلْيُون»؛ حَيْثُ فُتِحَتْ لَهُ القَنَوَاتُ الفَضَائِيَّةُ، وأُقِيْمَتْ لَهُ النَّدَوَاتُ الفَوْضَوِيَّةُ،
1 / 6
والأمْسِيَّاتُ المُخْتَلِطَةُ، والصُّحُفُ المَحَلِّيَّةُ تَرْوِيجًا وتَقْنِيْنًا، غِشًّا وتَخْوِيْنًا ... !
وإنِّي أعْلَمُ أنَّ الدَّعْوَةَ إلى العَامِيَّةِ لم تَقِفْ عِنْدَ «شَاعِرِ المَلْيُون» حَسْبُ؛ بَلْ لهَا أوْجُهٌ غَبْرَاءُ تَحْتَ مُسَمَّيَاتٍ مُثِيْرَةٍ، وبَيَارِقَ كَثِيْرَةٍ: كمُسَابَقَةِ «شَاعِرِ العَرَبِ»، و«شَاعِرِ المَعْنَى»، و«شَاعِرِ الصَّحْرَاءِ»، ونَجْمِ القَصِيْدِ، في غَيْرِهَا مِنْ أسْماءِ شُعَرَاءِ الانْحِطَاطِ والرَّكَاكَةِ مِنْ دُعَاةِ «النَّبَطِيِّ».
فَعِنْدَئِذٍ كَانَ وَاجِبًا على المُسْلِمِيْنَ أن يَأخُذُوا على أيْدِي العَابِثِيْنَ بإرْثِ الأمَّةِ ولُغَتِهَا، وأنْ يَكُفُّوا ألْسِنَتَهُم وأقْلامَهُم مِنَ المُقَامَرَةِ بعُقُوْلِ أبْنَاءِ المُسْلِمِيْنَ، والله مِنْ وَرَاءِ القَصْدِ.
* * *
- نَعَم، لَقَدْ أدْرَكَ أعْدَاءُ الإسْلامِ أنَّ اللُّغَةَ العَرَبِيَّةَ هِيَ الوَسِيْلَةُ الوَحِيْدَةُ، لفَهْمِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ; لِذَا جَنَّدُوا أنْفَسَهُم للقَضَاءِ عَلَيْهَا بكُلِّ مَا يَمْلِكُوْنَ مِنْ زَحْفٍ عَسْكَرِيٍّ وغَزْوٍ فِكْرِيٍّ، وذَلِكَ بنَشْرِ كُلِّ مَا مِنْ شَأنِهِ يُزَاحِمُهَا لاسِيَّما ببَعْثِ اللَّهَجَاتِ العَامِيَّةِ.
ومِنْ أسَفٍ؛ أنَّنا نَجِدُ بَعْضَ أغْتَامِ أبْنَاءِ المُسْلِمِيْنَ هَذِهِ الأيَّامَ قَدْ قَامُوا بدَوْرِ المُسْتَشْرِقِينَ خَيْرَ قِيَامٍ؛ مِمَّا أرْبَى على جُهُودِ الأجَانِبِ
1 / 7
الغَرْبِيِّينَ آنَذَاكَ، والله المُسْتَعَانُ!
* * *
- فعَنِدْئِذٍ؛ كَانَ ظُهُوْرُ مُسَابَقَةِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» اليَوْمَ؛ بِجَمِيعِ صُورِهَا الشِّعْريَّةِ والنَّثْريَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ على مُسْتَوَى الكِبَارِ أو الصِّغَارِ يُعَدُّ خَطَرًا جَسِيْمًا، وشَرًّا عَظِيمًا على وِحْدَةِ الأُمَّةِ الإسْلامِيَّةِ - عَرَبِيِّهَا وعَجَمِيِّهَاـ; لأنَّ الدَّعْوةَ إلى العَامِيَّةِ الآنَ في مُعْظَمِ بِلادِ المُسْلِمِيْنَ لَيْسَتْ دَخِيْلَةً ولا أجْنَبِيَّةً يُشَكُّ في إخْلاصِهَا ونِيَّاتِهَا; ولَكِنَّهَا دَعْوةٌ مَحَلِّيَّةٌ تَتَكَلَّمُ بألسِنَتِنَا، ومِنْ أبْنَاءِ جِلدَتِنَا، وتَسْتَظِلُّ تَحْتَ سَمَائِنَا ... بَلْ هِيَ في حَقِيْقَتِهَا سِهَامٌ تُسَلُّ مِنْ كِنَانَتِنَا وتُصَوَّبُ نَحْوَ لُغَتِنَا زِيَادَةً في تَفْرِيْقِ المُسْلِمِيْنَ وتَجْهِيْلِهِم، كَما أنَّها دَعْوَةٌ تَغْرِيبِيَّةٌ تَسْعَى في تَمْرِيْرِ المُخَطَّطَاتِ العَدَائِيَّةِ!
إنَّهَا حَقِيقَةٌ مُرَّةٌ حِينَما يَعْلَمُ دُعَاةُ «شَاعِرِ المَلْيُون» أنَّهَا: نَفْسُ الأهْدَافِ والمُخَطَّطَاتِ الَّتِي سَبَقَ أنْ تَكَرَّرَت في بِلادِ المُسْلِمِيْنَ على أيْدِي الصَّلِيْبِيِّيْنَ وفُرُوْخِهِم مِنَ المُسْتَشْرِقِيْنَ، ومَا أشْبَهَ اللَّيْلَةَ بالبَارِحَةِ!
* * *
- لِذَا لمَّا رَأيْتُ السَّيْلَ بَلَغَ الزُّبَى؛ قُمْتُ ولله الحَمْدُ بكِتَابَةِ هَذَهِ الرِّسَالَةِ الَّتِي مَا كَانَ لي أنْ أكْتُبَهَا إلاَّ دِفَاعًا عَنْ أمَّتِنَا الإسْلامِيَّةِ،
1 / 8
ولُغَتِنَا العَرَبِيَّةِ، ونُصْحًا لإخْوَاني المُسْلِمِيْنَ، ولاسِيَّما الشَّبَابِ مِنْهُم، ممَّنْ أخَذَتْ بِهِم رِيْحُ الشِّعْرِ النَّبَطِيِّ، في نَعَرَاتٍ جَاهِلِيَّةٍ، ومُسَمَّيَاتٍ هَوْجَاءٍ تَحْتَ عَبَاءَةِ «شَاعِرِ المَلْيُون»، ومَا أدْارَكَ مَا «شَاعِرِ المَلْيُون»؟!
إنَّها دَعْوَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، ونَعْرَةٌ قَبَلِيَّةٌ، وهَجْمَةٌ لِسَانِيَّةٌ على لُغَةِ القُرْآنِ ... مَعَ ما تَحْمِلُهُ مِنْ خُطَطٍ صَلِيْبِيَّةٍ غَابِرَةٍ، يَوْمَ فَتَحَ «شَاعِرُ المَلْيُون» البَابَ على مِصْرَاعَيْهِ، لتَسْرِيْبِ اللَّهَجَاتِ العَامِيَّةِ لِوَاذًا إلى بِلادِ المُسْلِمِيْنَ، ولاسِيَّما جَزِيْرَةِ العَرَبِ!
إنَّ أخْطَارَ الدَّعْوَةِ إلى الشِّعْرِ «النَّبَطِيِّ» المُتَمَثِّلَةِ في «شَاعِرِ المَلْيُون» لم تَعُدْ مِنَ الخَفَاءِ بمَكَانٍ؛ فَهِي في الحَقِيْقَةِ دَعْوَةٌ سَافِرَةٌ تَحْمِلُ في مَضَامِيْنِهَا زَعْزَعَةَ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، وإفْسَادَ اللِّسَانِ العَربيِّ، واجْتِثَاثَ مَا يُمْكِنُ اجْتِثَاثُهُ ممَّا لَهُ صِلَةٌ بالدِّيْنِ الإسْلامِيِّ مِنْ مَوْرُوْثٍ، وفِكْرٍ، وتَارِيْخٍ.
فالدَّعْوَةُ إلى الشِّعْرِ «النَّبَطِيِّ» في حَقِيْقَتِهَا صَدٌّ عَنْ سَبِيْلِ الفُصْحَى، مَعَ ما فِيْهَا مِنْ أخْطَاءٍ شَرْعِيَّةٍ لا تَقِلُّ أهمِّيَّةً مِنَ العُدْوَانِ على اللُّغَةِ، ومَنْ قَرَأ التَّارِيخَ أوْ بَعْضَهُ يَعْلَمُ حَقِيقَةَ هَذَا العِرَاكِ المُسْتَمِيتِ بَيْنَ لُغَتِنَا العَرَبِيَّةِ وبَيْنَ خُصُومِهَا.
* * *
1 / 9
(فَكَيْفَ لا تَسْتَحِي أُمَّةٌ تَرْكُضُ لِبِنَاءِ مَجْدِهَا وعِزِّهَا وهِيَ مُصِرَّةٌ على الحِنْثِ العَظِيمِ; إذْ تَرْفُلُ بِلِبَاسِ عَدُّوِهَا، في نَشْرِ اللَّهَجَاتِ العَامِيَّةِ، والعَصَبِيَّاتِ القَبَلِيَّةِ تَحْتَ مَظَلَّةِ «شَاعِرِ المَلْيُون»؟ ألَمْ يَعْلَمُوا أنَّ اللَّعْنَةَ لم تَزَلْ تُطَارِدُ دُعَاةَ العَامِيَّةِ مُنْذُ صَاحَ بِهِمُ أهْلُ العِلْمِ الرَّبَّانِيِّيْنَ، وحُمَاةُ الفُصْحَى الغَيُوْرُوْنَ؟!
ألَمْ يَعْلَمُوا (أيْضًا) أنَّ دُعَاةَ العَامِيَّةِ: هم دُهَاةُ حَرْبٍ، ومِعْوَلُ هَدْمٍ، بَلْ سُوْسَةُ نَخْرٍ في جِسْمِ الأمَّةِ المَرْحُوْمَةِ؟ ... فلْيَحْذَرِ المُسْلِمُ مِنْ سَنَنِ طَرَائِقِهِم، وليَتَجَنَّبْ سَبِيْلَهُم؛ فإنَّ لهُم طَرَائِقَ مُلْتَوِيَةً في بَثِّ النَّعَرَاتِ الجَاهِلِيَّةِ، كَما هُوَ مَاثِلٌ في دَعْوَتِهِم إلى الشِّعْرِ «النَّبَطِيِّ»، ولاسِيَّما فيمَا تَبَنَّتْهُ القَنَوَاتُ الفَضَائِيَّةُ مِنْ خِلالِ مُسَابَقَةِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن»!
نَعَم؛ فَإنَّ بِسَاطَ الخَوْفِ لم يَزَلْ في تَمَدُّدٍ مِنْ دُعَاةِ «النَّبَطِيِّ»، الَّذِينَ لَمْ يَزَالُوا يَنْتَشِرُونَ في الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ في السَّنَواتِ الأخِيرَةِ انْتِشَارًا كَبِيْرًا مِمَّا يُلفِتُ النَّظَرَ، ويَسْتَرْعِي الانْتِبَاهَ، مِمَّا يَبْعَثُ هَاجِسَ الرِّيبَةِ في نِيَّاتِ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ إلى نَشْرِهِ بِكُلِّ ما يَمْلِكُوْنَ مِنْ قَنَوَاتٍ إعْلامِيَّةٍ، ممَّا كَانَ سَبَبًا كَبِيْرًا في دَفْعِ شَبَابِ الأمَّةِ إلى مُخَالَفَةِ لِسَانِهِم
1 / 10
العَربيِّ، وذَلِكَ باسْتِمْرَاءِ الشِّعْرِ «النَّبَطِيِّ»، وتَذَوُّقِهِ ونَظْمِهِ ... كُلُّ ذَلِكَ سَيَكُوْنَ مِنْهُم (للأسَفِ) على حِسَابِ مُخَالِفَتِهم لِلِّسَانِ العَرَبِيِّ، وقَوَانِينِهِ، ومُفْرَدَاتِهِ، ومُرَكَّبَاتِهِ، وأوْزَانِهِ، مَعَ مَا فيهِ مِنْ ألحَانٍ مَرْذُولَةٍ، وأذْواقٍ مَمْجُوجَةٍ، كَما سَيَأتي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ الله.
* * *
يَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَةَ ﵀ في «مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى» (٣٢/ ٢٥٢): «إنَّ هَذَا الكَلامَ المَوْزُونَ كَلامٌ فَاسِدٌ مُفْرَدًا أوْ مُرَكَّبًا; لِأنَّهُمْ غَيَّرُوا فيهِ كَلامَ العَرَبِ، وبَدَّلُوهُ ; بِقَوْلِهِمْ: «مَاعُوا وبَدُوا وعَدُوا»، وأمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا تَمُجُّهُ القُلُوبُ والأسْمَاعُ، وتَنْفِرُ عَنْهُ العُقُولُ والطِّبَاعُ.
وأمَّا «مُرَكَّبَاتُهُ» فَإنَّهُ لَيْسَ مِنْ أوْزَانِ العَرَبِ; ولا هُو مِنْ جِنْسِ الشِّعْرِ، ولا مِنْ أبْحُرِهِ السِّتَّةَ عَشَرَ، ولا مِنْ جِنْسِ الأسْجَاعِ، والرَّسَائِلِ، والخُطَبِ.
وقَالَ أيْضًا: وهَؤُلاءِ تَرَكُوا المُقَامَرَةَ بالأيْدِي، وعَجَزُوا عَنْهَا: فَفَتَحُوا القِمَارَ بالألْسِنَةِ، والقِمَارُ بالألسِنَةِ أفْسَدُ لِلعَقْلِ والدِّينِ مِنَ القِمَارِ بالأيْدِي، والواجِبُ على المُسْلِمِيْنَ المُبَالَغَةُ في عُقُوبَةِ هَؤُلاءِ، وهَجْرِهِمِ، واسْتِتَابَتِهِمْ - إلى قَوْلِهِ ـ: فَإنَّهَا تُفْسِدُ اللِّسَانَ العَرَبِيَّ، وتَنْقُلُهُ إلى العُجْمَةِ المُنْكَرَةِ.
1 / 11
إلى قَوْلِهِ: ... والَّذِينَ يُبَدِّلُونَ اللِّسَانَ العَرَبِيَّ ويُفْسِدُونَهُ، لَهُمْ مِنْهُ هَذَا الذَّمُّ والعِقَابُ بِقَدْرِ مَا يَفْتَحُونَهُ، فَإنَّ صَلاحَ العَقْلِ، واللِّسَانِ مِمَّا يُؤْمَرُ بِهِ الإنْسَانُ، ويُعِينُ على تَمَامِ الإيمَانِ، وضِدُّ ذَلِكَ يُوجِبُ الشِّقَاقَ، والضَّلالَ، والخُسْرَانَ، والله أعْلَمُ» انْتَهَى.
* * *
- ثم إنَّني اسْتَعَنْتُ بالله تَعَالى في بَيَانِ خَطَأ إخْوانِي المُسْلِمِيْنَ مِمَّنْ تَسَاقَطُوا في فَلَكِ «شَاعِرِ المَلْيُون»، وغَيْرِهِ مِنْ دَعَاوِي الشِّعْرِ «النَّبَطِيِّ»، مَعَ كَشْفِ خُطُورَتِهِ على الدِّينِ الإسْلامِيِّ، واللِّسَانِ العَرَبِيِّ بإيجَازٍ واخْتِصَارٍ.
فَلَمَّا رَأيْتُ الأمْرَ أمْرًا مُنْكَرًا ... أجَجْتُ نَارِي ودَعَوْتُ قَنْبَرًا
وأنَا هُنَا لا أدَّعِي الإحَاطَةَ بالمَوْضُوعِ مِنْ جَمِيعِ جَوانِبِهِ; بَل هَذِهِ نُتَفٌ ولَمَحَاتٌ تُوقِفُ اللَّبِيبَ على مَواقِعِ الدَّاءِ، والخَلَلِ الكَامِنِ في مُسَابَقَةِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» خَاصَّةً: كَفِكْرٍ، وهَدَفٍ، وتَقْنِينٍ، ومَنْ أرَادَ مَعْرِفَةَ خَطَرِ نَشْرِ العَامِيَّةِ والشِّعْرِ «النَّبَطِيِّ» بعَامَّةٍ سَوَاءٌ في جَزِيْرَةِ العَرَبِ وغَيْرِهَا، فلْيَنْظُرْ كِتَابِي: «كَفَّ المُخْطِئ عَنِ الدَّعْوةِ إلى الشِّعْرِ النَّبَطِيِّ» ففِيْهِ دِرَاسَةٌ تَأصِيْلِيَّةٌ على ضَوْءِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ، كَمَا سَتَرَاهُ إنْ شَاءَ الله.
1 / 12
وقَدْ أدَرْتُ رِسَالَتِي هُنَا على بَيَانِ مَحْظُوْرَاتِ «شَاعِرِ المَلْيُون»، وذَلِكَ مِنْ خِلالِ سِتَّةَ عَشَرَ مَحْظُوْرًا شَرْعِيًّا، بشَيءٍ مِنَ الاخْتِصَارِ.
وَكَتَبهُ
ذِيَابُ بنُ سَعْد آل حَمْدانَ الغَامديُّ
يَوْمَ الاثْنِيْن للنِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَبِيْعِ الثَّاني لعَامِ ألْفٍ وأرْبَعْمائَةٍ وتِسْعَةٍ وعِشْرِيْنَ على صَاحِبِهَا أفْضَلُ الصَّلاةِ والتَّسْلِيْمِ
(١٥/ ٤/١٤٢٩)
الطَّائِفُ المأنُوْسُ
ص. ب (١٩٧٩)
1 / 13
المَحَاذِيْرُ الشَّرْعِيَّةُ
في مُسَابَقَةِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن»
هُنَاكَ مَحْظُوْرَاتٌ شَرْعِيَّةٌ كَثِيْرَةٌ، وأغْلاطٌ شِعْرِيَّةٌ خَطِيْرَةٌ قَدْ تَضَمَّنَتْهَا مُسَابَقَةُ «شَاعِرِ المَلْيُوْن»، غَيْرَ أنَّنِي آثَرْتُ الاخْتِصَارَ، ومَنْ أرَادَ زِيَادَةَ بَيَانٍ فَلْيَنْظُرْ كِتَابَ: «كَفِّ المُخْطِئ»، فإلى ذِكْرِ المَحْظُوْرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ:
- المَحْظُوْرُ الأوَّلُ: العُدْوانُ على اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، وذَلِكَ في نَشْرِ العَامِّيَّةِ المَلحُونَةِ الرَّكِيْكَةِ، وبَثِّهَا بَيْنَ شَبَابِ المُسْلِمِيْنَ لِتُزَاحِمَ الفُصْحَى كَما هُو ظَاهِرٌ في تَسْوِيْقِ الدَّعَوَاتِ العَامِيَّةِ واللَّهَجَاتِ المَحَلِّيَّةِ باسْمِ: مُسَابَقَةِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن».
وفي هَذِهِ المُسَابَقَةِ اأيْضًا إبْعَادُ النَّاشِئَةِ عَنْ تَدَبُّرِ وفَهْمِ كِتَابِ الله وسَنَةِ نَبِيِّهِ ﷺ ; وذَلِكَ بِحَمْلِهِمْ على هَجْرِ اللِّسَانِ العَرَبِيِّ الفَصِيحِ الَّذِي أُنْزِلَ بِهِمَا الكِتَابُ والسُّنَّةُ، وهَذَا مُشَاهَدٌ عِنْدَ أكْثَرِ أبْنَاءِ الجَزِيرَةِ، فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِم.
* * *
أمَّا العَامِيَّةُ في مَعْنَاهَا السَّاذَجِ، وكَذَا العَوَامُ الَّذِينَ لا يُحْسِنُونَ
1 / 15
غَيْرَهَا لا يُعَدُّ خَطَرًا على اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ الفَصِيحَةِ، ولا خَوْفًا مِنْهُمَا؛ لِأنَّ العَوامَّ لا يَمْلِكُونَ فِكْرًا مَدْرُوْسًا، أو هَدَفًا مَرْسُوْمًا يُخْشَى مِنْهُ، بَلْ يُعَدُّ عِنْدَهُم تَرْدِيدًا وإنْشَادًا يَجْرِي على ألسِنَتِهِم بَيْنَ الحِيْنِ والآخَرِ، ولَمْ يَكُنْ للشِّعْرِ «النَّبَطِيِّ» مُنَظِّرُونَ، أو دُعَاةٌ كَمَا هُو اليَوْمَ، وأشَدُّهُ خَطَرًا هَذِهِ الأيَّامَ أنْ تَمْتَدَّ أيْدٍ شَوْهَاءُ إلى تَدْوِيْنِ الشِّعْرِ «النَّبَطِيِّ» تَحْتَ مُسَمَّيَاتٍ وعَنَاوِيْنَ عَامِّيَّةٍ.
فَالشِّعْرُ «النَّبَطِيُّ» لَيْسَ بِدْعًا مِنَ القَوْلِ; بَل مَعْرُوفٌ مَألُوفٌ لَدَى طَائِفَةٍ مِنْ أبْنَاءِ الجَزِيرَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَذَوَّقُهُ بِحُكْمِ الوِرَاثَةِ والبِيئَةِ، وآخَرُونَ يَسْمَعُونَ مِنْهُ أشْيَاءَ ونُتَفًا ألِفُوهَا في حَيَاتِهِمُ اليَوْمِيَّةِ ... إلاَّ أنَّ مَعْرِفَةَ بَعْضِهِمْ لِلأسَفِ بالدَّسِّ والمُؤَامَرَاتِ الَّتِي يُحِيكُهَا أعْدَاءُ المُسْلِمِيْنَ ضِدَّ الإسْلامِ ولُغَتِهِ العَرَبِيَّةِ قَلِيلَةٌ جِدًّا.
* * *
- وهُنَا سُؤالٌ مُهِمٌّ؛ طَالمَا طَرَحَهُ دُعَاةُ العَامِيَّةِ، وأنْصَارُ الشِّعْرِ «النَّبَطِيِّ»، ورُبَّما أشْيَاعُ مُسَابَقَةِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن»، وذَلِكَ مِنْ خِلالِ قَوْلهِم:
إنَّ الشِّعْرَ «النَّبَطِيَّ» لا يَخْتَلِفُ عَنِ الشِّعْرِ الفَصِيحِ، بَلْ هُوَ سَلِيلُهُ، وفَرْعٌ مِنْ فُرُوعِهِ.
1 / 16
قُلْتُ: لا شَكَّ أنَّ هَذَا القَوْلَ لا يَصْدُرُ إلاَّ ممَّنْ لا يَعْرِفُ حَقِيْقَةَ الشِّعْرِ العَرَبيِّ الفَصِيْحِ، وبَيْنَ الشِّعْرِ «النَّبَطِيِّ» الرَّكِيْكِ، فَمَنْ نَظَرَ إلَيْهِما عَلِمَ يَقِينًا أنَّهُما يَخْتَلِفَانِ اخْتِلافًا كَبِيْرًا في قَضِيَّتَيْنِ مُهِمَّتَيْنِ، كَمَا يَلي:
القَضِيَّةُ الأوْلى: طَرِيقَةُ النَّظْمِ والإنْشَادِ.
القَضِيَّةُ الثَّانِيَةُ: اللُّغَةُ.
فأمَّا القَضِيَّةُ الأوْلى: فَلا شَكَّ أنَّ طَرِيقَةَ النَّظْمِ والإنْشَادِ بَيْنَهُما مُخْتَلِفَةٌ جِدًّا، فَلِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الفَنَّيْنِ أُصُولٌ ونَظْمٌ مُخْتَلِفٌ، بَلِ الاخْتِلافُ بَيْنَهُما ظَاهِرٌ في كُلٍّ: مِنَ البِنَاءِ والوَزْنِ، والبَحْرِ، والمُفْرَدَاتِ، والقَافيةِ، وطَرِيقَةِ الإنْشَادِ مُخْتَلِفَةً ... على الرُّغْمِ مِنْ أنْ لِلشِّعْرِ «النَّبَطِيِّ» وزْنًا وقَافيةً، ولِلشِّعْرِ العَرَبِيِّ الفَصِيحِ وزْنًا وقَافيةً; لَكِنَّ التِزَامَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِوزْنٍ وقَافيةٍ لا يُحَقِّقُ الشَّبَهَ بَيْنَهُمَا.
يُوضِّحُهُ أنَّ الشِّعْرَ الفَارِسِيَّ، والشِّعْرَ التُّرْكِيَّ يُنْظَمَانِ على أوْزَانِ الشِّعْرِ العَرَبِيِّ الفَصِيحِ إلى يَوْمِنَا هَذَا، ويُصَاغَانِ في قَالَبِ الشِّعْرِ العَرَبِيِّ بِاللُّغَةِ الفَارِسِيَّةِ واللُّغَةِ التُّرْكِيَّةِ، ولَمْ يَزْعُمْ أحَدٌ أنَّ هَذَيْنِ الشِّعْرَيْنِ في لُغَتَيْهِ - الفَارِسِيَّةِ والتُّرْكِيَّةِ - فَرْعٌ مِنَ الأدَبِ العَرَبِيِّ أوْ سَلِيلَيْنِ لَهُ، على الرُّغْمِ مِنْ أنَّهُمَا يُنْظَمَانِ على قَوالِبِهِ وأشْكَالِهِ!
1 / 17
كما أنَّ الشِّعْرَ «النَّبَطِيَّ» لا زَالَتْ أوْزَانُه في عَالَمِ الغَيْبِ لَمْ تُحَدَّدْ، ولَمْ تُعْرَفْ، حَتَّى سَاعَتِي هَذِهِ!
* * *
- إلاَّ أنَّ الأُسْتَاذَ عَبْدَ الله بنَ خَمِيسٍ قَدْ قَطَعَ الطَّرِيقَ على النَّبَطِيِّينَ، وكَفَاهُمْ مُؤْنَةَ البَحْثِ والتَّنْقِيبِ عَنْ أوْزَانِ الشِّعْرِ «النَّبَطِيِّ» ; لاسِيَّمَا أنَّهُ مِنْ أرْبَابِ هَذَا الفَنِّ; ومِمَّنِ اشْتَغَلَ بِتَدْوِينِ الشِّعْرِ «النَّبَطِيِّ»، ودِرَاسَتِهِ; مِمَّا يَقْضِي بِإمَامَتِهِ وصَوَابِ حُكْمِهِ في الشِّعْرِ «النَّبَطِيِّ».
يَقُولُ ابنُ خَمِيسٍ في «الأدَبِ الشَّعْبِيِّ» (٨٦): «إنَّهُ تَتَبَّعَ الأوْزَانَ الَّتِي اسْتَعْمَلَهَا شَاعِرٌ عِامِّيٌّ واحِدٌ; فَأحْصَى مِنْهَا عِشْرِينَ وزْنًا، ولَمَّا يُقَارِبْ نِهَايَةَ الدِّيوانِ».
* * *
- أمَّا القَضِيَّةُ الثَّانِيَةُ: وهِيَ اللُّغَةُ، فَلا شَكَّ أنَّ الفَرْقَ الكَبِيرَ المُمَيِّزَ لِلشِّعْرِ الفَصِيحِ عَنِ «النَّبَطِيِّ» هُو اللُّغَةُ، فَقَدْ فَقَدَتْ لُغَةُ الشِّعْرِ «النَّبَطِيِّ» خَصْلَتَيْنِ مُهِمَّتَيْنِ مِنْ خَصَائِصِ الشِّعْرِ العَرَبِيِّ الفَصِيحِ، وهُمَا:
1 / 18
الأُولَى: الإعْرَابُ.
الثَّانِيَةُ: التَّرْكِيبُ.
فَالإعْرَابُ هُو أسَاسُ الشِّعْرِ الفَصِيحِ، وإذَا أخَلَّ الشَّاعِرُ بِإعْرَابِ كَلِمَةٍ واحِدَةٍ في بَيْتِ الشِّعْرِ الفَصِيحِ أفْسَدَهُ، واحْتَاجَ إلى الإتْيَانِ بِالكَلِمَةِ مُعْرَبَةً صَحِيحَةً حَتَّى يَسْتَقِيمَ شِعْرُهُ، وإلاَّ سَقَطَ في عَثَرَاتٍ وعَجْزٍ يُؤَاخَذُ عَلَيْهِ، ولا يُعَدُّ الشِّعْرُ في هَذِهِ الحَالِ شِعْرًا فَصِيحًا مَهْمَا كَانَ قَائِلُهُ، بغَضِّ النَّظَرِ عَنِ الضَّرُوْرَةِ الشِّعْرِيَّةِ.
أمَّا الشِّعْرُ «النَّبَطِيِّ» فَقَدْ أشَارَ عَبْدُ الله بنُ خَمِيسٍ إلى وُجُوبِ الابْتِعَادِ بِهِ عَنِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ الفَصِيحَةِ حَتَّى يَسْتَقِيمَ وزْنُهُ، حَيْثُ يَقُولُ (٨١): «لا تُحَاوِلْ وأنْتَ تَقْرَأُ هَذَا الشِّعْرَ أنْ تَسْلُكَ جَادَّةَ اللُّغَةِ الفَصِيحَةِ، فَتُسَلِّطَ العَوامِلَ على مَعْمُولاتِهَا، وتُحَاوِلُ الرَّفْعَ، أوِ النَّصْبَ، أوِ الجَرَّ، أوِ السُّكُونَ بِالعَلامَاتِ الأصْلِيَّةِ، أوِ الفَرْعِيَّةِ، أوْ حَذْفٍ، أوْ سُكُونٍ، أوْ تُحَاوِلُ أنْ تَقُولَ عَنْ هَذَا الفِعْلِ أنَّهُ مِثَالٌ، أوْ عَنِ الآخَرِ أنَّهُ أجْوفٌ، أوْ عَنْ ثَالِثٍ أنَّهُ نَاقِصٌ، أوْ مَهْمُوزٌ، أوْ واوِيٌّ، أوْ يَائِيٌّ إلَخْ،
1 / 19
ولا عَنْ هَذَا الاسْمِ أنَّهُ مَقْصُورٌ، أوْ مَنْقُوصٌ، أوْ مُؤَنَّثٌ حَقِيقِيٌّ، أوْ مَعْنَوِيٌّ، ولا عَنْ هَذَا الجَمْعِ، أوْ هَذِهِ التَّثْنِيَةِ أنَّهُما صَحِيحَانِ، أوْ غَيْرُ صَحِيحَيْنِ، لا تُحَاوِلْ أنَّ تَقْرَأ الشِّعْرَ وأنْتَ مُرْتَبِطٌ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا.
ولا أنْ تَقُولَ إذَا جِئْتَ تَقْرَؤهُ لِمَ هَذَا كَذَا، أوْ لَيْسَ هَذَا بِصَحِيح؟ فَالشَّاعِرُ «النَّبَطِيُّ» يُرِيدُ أنْ يُخْضِعَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أجْلِ اسْتِقَامَة وزْن بَيْتِهِ وكَفَى!
ويَقُولُ أيْضًا: «يَنْفَرِدُ هَذَا الشِّعْرُ - النَّبَطِيُّ - بِخَصَائِصَ تَنْأى بِهِ عَنِ الشِّعْرِ الفَصِيْحِ، ونَظَرًا لأنَّهُ لَمْ تُقَعَّدْ لَهُ قَوَاعِدُ، ولَمْ يُوْضَعْ فِيْهِ دِرَاسَاتٌ يُفْهَمُ على ضَوْئِهَا، وقَدْ جَانَبَ كَثِيْرًا مِنْ قَواعِدِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، واصْطِلاحَاتِهَا: نَحْوِيَّةً كَانَتْ، أمْ صَرْفِيَّةً، أمْ إمْلائِيَّةً، أمْ عَرُوْضِيَّةً; لِذَا فَإنَّهُ مِنَ العَسِيرِ على الدَّارِسِ لِهَذَا الشِّعْرِ وهُو بَعِيْدٌ عَنْ بِيئَتِهِ ومُحِيطِهِ أنْ يُرَكِّزَ فَهْمَهُ فِيْهِ، أوْ يَخْرُجَ مِنْهُ بِكَبِيرِ فَائِدَةٍ; مَا لَمْ يُؤَدِّهِ الأدَاءَ الصَّحِيحَ بِلَهْجَتِهِ الخَاصَّةِ بِهَا».
كَمَا لا يَخْفَى على الجَمِيعِ أنَّ نَظْمَ الجُمْلَةِ العَرَبِيَّةِ الفَصِيحَةِ يَرِدُ على وُجُوهٍ أقَلُّهَا: أنْ يَتَألَّفَ مِنِ اسْمَيْنِ، أوْ مِنْ فِعْلٍ واسْمٍ، أوْ
1 / 20
مِنْ جُمْلَتَيْنِ، أوْ مِنْ فِعْلٍ واسْمَيْنِ، أوْ مِنْ فِعْلٍ وثَلاثَةِ أسْمَاءٍ، أوْ مِنْ فِعْلٍ وأرْبَعَةِ أسْمَاءٍ ... إلَخ.
أمَّا نَظْمُ الجُمْلَةِ العَامِيَّةِ فَلَيْسَ لَهُ قَاعِدَةٌ مَعْرُوفَةٌ حَتَّى الآنَ وقَدْ يُوافِقُ حَالًا مِنْ أحْوالِ بِنَاءِ الجُمْلَةِ العَرَبِيَّةِ ونَظْمِهَا في بَعْضِ التَّعْبِيرَاتِ، وقَدْ يُخَالِفُ ذَلِكَ.
يَقُولُ مَرْزُوْقُ بنُ صِنَيْتَانَ في كِتَابِهِ «الفُصْحَى» (١٨٧): «ولا أعْرِفُ حدًّا لِأقَلِّهِ، ولَمْ أطَّلِعْ على تَحْدِيدٍ لِنَظْمِ الجُمْلَةِ العَامِيَّةِ يُمْكِنُ الاعْتِمَادُ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْكِنَنَا أنْ نُقَارِنَ بَيْنَ الجُمْلَةِ الفَصِيحَةِ والعَامِيَّةِ، ونَعْرِفَ وجْهَ التَّشَابُهِ بَيْنَهُمَا، ولَيْسَ الغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الدِّرَاسَةِ مُقَارَنَةَ الجُمْلَةِ العَامِيَّةِ بِالجُمْلَةِ العَرَبِيَّةِ إنَّمَا الغَرَضُ بَيَانُ الِاخْتِلافِ بَيْنَ نِظَامِ الجُمْلَتَيْنِ، وبُعْدِ كَلٍّ مِنْهُمَا عَنِ الأُخْرَى، وانْتِفَاءِ التَّشَابُهِ بَيْنَهُمَا» انْتَهَى.
* * *
يَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَةَ ﵀ في «مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى» (٣٢/ ٢٥٢): «إنَّ هَذَا الكَلامَ المَوْزُونَ كَلامٌ فَاسِدٌ مُفْرَدًا أوْ مُرَكَّبًا; لِأنَّهُمْ غَيَّرُوا فيهِ كَلامَ العَرَبِ، وبَدَّلُوهُ ; بِقَوْلِهِمْ: «مَاعُوا وبَدُوا وعَدُوا»، وأمْثَالُ
1 / 21
ذَلِكَ مِمَّا تَمُجُّهُ القُلُوبُ والأسْمَاعُ، وتَنْفِرُ عَنْهُ العُقُولُ والطِّبَاعُ.
وأمَّا «مُرَكَّبَاتُهُ» فَإنَّهُ لَيْسَ مِنْ أوْزَانِ العَرَبِ; ولا هُو مِنْ جِنْسِ الشِّعْرِ، ولا مِنْ أبْحُرِهِ السِّتَّةَ عَشَرَ، ولا مِنْ جِنْسِ الأسْجَاعِ، والرَّسَائِلِ، والخُطَبِ.
ومَعْلُومٌ أنَّ «تَعَلُّمَ العَرَبِيَّةِ، وتَعْلِيمَ العَرَبِيَّةِ» فَرْضٌ على الكِفَايَةِ; وكَانَ السَّلَفُ يُؤَدِّبُونَ أوْلادَهُمْ على اللَّحْنِ، فَنَحْنُ مَأمُورُونَ أمْرَ إيجَابٍ، أوْ أمْرَ اسْتِحْبَابٍ أنْ نَحْفَظَ القَانُونَ العَرَبِيَّ; ونُصْلِحَ الألسُنَ المَائِلَةَ عَنْهُ، فَيَحْفَظُ لَنَا طَرِيقَةَ فَهْمِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ، والاقْتِدَاءِ بالعَرَبِ في خِطَابِهَا.
فَلَوْ تُرِكَ النَّاسُ على لَحْنِهِمْ كَانَ نَقْصًا وعَيْبًا; فَكَيْفَ إذَا جَاءَ قَوْمٌ إلى الألسِنَةِ العَرَبِيَّةِ المُسْتَقِيمَةِ، والأوْزَانِ القَوِيمَةِ: فَأفْسَدُوهَا بِمِثْلِ هَذِهِ المُفْرَدَاتِ، والأوْزَانِ المُفْسِدَةِ لِلِّسَانِ، النَّاقِلَةِ عَنِ العَرَبِيَّةِ العَرْبَاءِ إلى أنْواعِ الهَذَيَانِ; الَّذِي لا يَهْذِي بِهِ إلا قَوْمٌ مِنَ الأعَاجِمِ الطُّمَاطِمِ الصَّمَيَانِ؟!
وقَالَ أيْضًا: «وهَؤُلاءِ تَرَكُوا المُقَامَرَةَ بالأيْدِي، وعَجَزُوا عَنْهَا: فَفَتَحُوا القِمَارَ بالألْسِنَةِ، والقِمَارُ بالألسِنَةِ أفْسَدُ لِلعَقْلِ
1 / 22