وأصلّي وأسلّم على رسولنا محمد، معلّم النّاس الخير، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
وبعد: فإن من عظيم فضل الله ﷿ عليّ، أن ولدت في بيت من البيوت التي يذكر فيها اسم الله تعالى صباح مساء، ويتداول العلم في جنباته دراسة وتدريسا آناء الليل وأطراف النهار، وعلى الخصوص من ذلك كتاب الله ﷿، وسنّة نبيّه المطهرة، مما كان له أكبر الأثر في منهجي وتوجهي في الحياة.
وعميد هذا البيت رجل جنّد نفسه للعمل في خدمة مصنفات علماء الأمة الأقدمين ذات الصلة بكتاب الله ﷿، وسنّة نبيّه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، والتصدّي لنصح الناس في المساجد والمجالس في الحلّ والترحال منذ أكثر من ثلاثين عاما، فكنت أينما دخلت في حجرات دارنا- وأنا طفل صغير- ألتقي بكتب والدي، وأوراقه، وأقلامه.
وما من مرة اصطحبني معه فيها إلا وكانت وجهتنا إلى إحدى المكتبات، العامة منها أو الخاصة، وكذلك الحال في زيارة أصدقائه وزملائه، فقد كان معظمهم من أهل العلم والفضل.
ولقد فرض واقع وفاة أمي- ولمّا أبلغ الرابعة من عمري- على أبي أن يجعل منّي رفيقا صغيرا له، وذلك لعدم وجود إخوة لي في تلك الحقبة من الزمن ألهو معهم وأمرح، فلم تخلف أمي سواي، رحمها الله تعالى وأسكنها فسيح جنانه، ولم يكن في الدار غير جدتي لأبي، وكانت متقدمة في السن، فكان حرص أبي على عدم إرهاقها بخدمتي يحمله على اصطحابي معه إلى مكتبه الذي كنت ألتقي فيه مع أعداد أخرى كبيرة من الكتب تآلفت هنا وهناك في المكتبات الجدارية المنتشرة في كل غرفة من غرفه.
وفي ذلك المكتب أيضا التقيت بعدد كبير من العلماء والباحثين والطلبة من زملاء والدي وأصدقائه ومساعديه، وفي مقدمتهم صاحبه وزميله ورفيق دربه
1 / 8