ثم ينطلق إلى القصر فيلتقي بأحمد العامري صاحب الخزائن، فيقول له: عم صباحا أبا محمد، من مثلك اليوم يمشي في إعجاب وزهو، كمشية بنت المستكفي التي تقول:
أنا والله أصلح للمعالي
وأمشي مشيتي وأتيه تيها - ولا عجب، فإنك حارس خزائن الملك، تعطي من تشاء وتمنع من تشاء. - لا تمزح أبا القاسم فإن الوقت وقت جد، إن النفقات الكثيرة تكاد تلتهم ما في الخزائن: جوائز للشعراء لا تنتهي عند حد في كل يوم، وجواهر وحلي وملابس للجواري، ولأرماندا، ولسيدتي الرميكية - تزيد أثمانها على ما يتوهمه العقل، ثم نفقات قصر الملك، ثم ما ينفق على القصور الأخرى: وهي الزهراء، والمبارك، والوحيد، والزاهي، والمؤيد. ثم ما يدفع من الإتاوات للأذفونش. ماذا يبقى يا أبا القاسم؟؟ - يبقى ما يدفع للجيش. - أنت لا تزال تمزح. عم صباحا.
وتركه الهوزني، فرأى المعتمد جالسا بين حاشيته، ووجهه مربد، وهو يتكلف الكلام والابتسام، حتى إذا أخذ مجلسه، جاء سيف الخادم وقال بصوت مرتعد: إن ابن شاليب اليهودي قدم يا مولاي، وقد ترك بربض إشبيلية نحو ثلاثمائة جندي، قدموا معه. فالتفت المعتمد إلى من حوله وقال. ليدخل.
ودخل ابن شاليب، وكان رجلا في الستين، أشيب اللحية، كبير الأنف، يسيل ماء عينيه لرمد ملازم، فهو لا يفتأ يمسح دموعهما بيده بحركة عصبية؛ وكان وسخ الوجه واليدين، له خصلتان طويلتان تتدليان على عارضيه، يلبس فوق صداره وسراويله جبة طويلة ممزقة الذيل وسخة.
سلم ابن شاليب وقال: إن مولاي الأذفونش يصدر إليكم أمرين: الأول: أن تقيم زوجه كونستانس بمدينة الزهراء حتى تلد، وأن تلد بالجانب الغربي من جامع قرطبة، وهو مكان الكنيسة القديمة، والثاني: أن تضاعف الإتاوة هذا العام.
فقال المعتمد: اسمع يا رجل. نحن لا نتلقى من أحد أمرا، وولادة القمجيطة بجامع قرطبة أبعد من المحال، وهو طلب نرده في وجه مولاك بأنفة وازدراء؛ وأما المال فخذوه إن كان يسد ذلك جشع الأذفونش. ثم أمر أحمد العامري بإعطائه الإتاوة.
وبعد ساعة عاد ابن شاليب وهو يصيح في غضب: لا آخذ هذه الدنانير ... إنها زائفة ... إنها مغشوشة ... إن الأذفونش سئم هذه الألاعيب، وإننا في العام القابل لن نأخذ دنانير بل نأخذ مدنا وحصونا.
فقال الهوزني: أطبق فمك يا فاجر، إنك أمام الأمير.
فقال ابن شاليب: إن أراد الأمير أن يحترم نفسه فلينقدني الدنانير صحيحة غير زائفة، وقد كان الغضب قد أطبق على المعتمد فلم يستطع صبرا، وكانت أمامه دواة ضخمة، فقبض على رقبة ابن شاليب، ودق رأسه بالدواة حتى تناثر مخه، ثم أمر سيفا خادمه - وعيناه تكادان تثبان من محجريهما - أن يرسل جنودا في جنح الليل على فرسان الأذفونش ليقتلوهم.
Shafi da ba'a sani ba