على معتفيها، أو عدوا تقارعه
فطرب الشيخ وصاح: هذا والله الشعر، لمن هذا؟ فقال ابن عباد: للجالس بين يديك، الذي طابت بأدبك أصائله، وغنت بلابله. فقال الشيخ: مرحى يا ابن مولاي مرحى!! هذا هو شعر الملوك، ومن سواك يقول مثله، وفيكم الرياسة والأدب والشعر منذ عهد ابن المنذر؟
خرج الشاب والعجب يملأ جوانبه، فالتقى بأخيه إسماعيل في أحد دهاليز القصر، فأنشده الأبيات فبهر إسماعيل وقال: ويلك يا محمد!! أغزل في هذا السن؟! والله لو علم أبوك ما سلمت من عصاه. فأجاب محمد: إن الناس يتناقلون لأبي كثيرا من شعر الغزل. - إن الكلب الغاضب ينبح، فإذا حاكيت نباحه وثب عليك. - هذا تشبيه عجيب يا إسماعيل ... أتشبه أبي بالكلب بعد أن قدمك على إخوتك وجعلك ولي عهده؟! - أما تشبيهي إياه بالكلب، فقد سبقني إليه علي بن الجهم في مدح المتوكل العباسي حين قال:
أنت كالكلب في حفاظك للود
وكالتيس في قراع الخطوب - ذلك كان أعرابيا جافيا جاء من البادية، ولم تصقله الحضارة، ولكن الله تعالى يقول:
فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث
فدع المغالطة يا إسماعيل. ثم أين «أما» الثانية؟ - وأما ولاية العهد، فهي في يد الرحمن ... الرجل كثير التقلب يا محمد لا يثبت على حال، وعيونه حولك وحولي في كل مكان. أتعرف جاريتي «ماريا» التي تضرب الحاشية بها المثل في فنائها في حبي وطاعتي؟ أتعرف أنها جاسوسة له علي؟! - جاسوسة؟! - نعم جاسوسة، وقد حذرتني أمي منها بعد أن وعظتني طويلا، ونصحتني بالاتبعاد عن الاتصال بالجنود، وبالتزام الطاعة في كل ما يأمر به أبي، ولقد يحسن بك أن تعلم أن الجارية «فلورا» تتجسس عليك أيضا، وتنقل أخبار لهوك وعبثك إلى أبي. - ومن أخبرك بهذا؟ - أخبرتني الجارية «صباح» لأنها رأتها تختلف إلى حجرة أبي، وهي تعلم أن الغيرة تنهش صدرها عليك؛ لما تظهر من الصبابة والغرام بالجاريتين: سحر، وجوهرة. - ويل لابنة الأسبان ... - هذا ما يجب أن تخشاه يا محمد، أما أنا فما ذنبي؟! - حدة الطبع والتشبث بالرأي، والعجلة التي تدعوك أحيانا إلى جني الفاكهة قبل نضجها، وللفقهاء قاعدة مليحة يرددونها: «من استعجل الشيء قبل أوانه، عوقب بحرمانه».
وبينما هما يتحدثان، أقبل «صاعد» خادم المعتضد الخاص يدعو إسماعيل لمقابلة أبيه، فهرول مسرعا، حتى إذا دخل عليه رآه مطرقا عابسا، فقال: اجلس يا إسماعيل ... لمثل هذا اليوم أعددتك ... أتعرف قرطبة؟ هي قصبة الأندلس جميعها ... هي رقبتها، فإذا حزتها في قبضتي أخفت الملوك جميعا، وسيطرت عليهم جميعا ... خذ الجيش غدا ... وهات لي قرطبة بعد ثلاث أيام ... قم.
فتلكأ إسماعيل وقال: ولكن يا مولاي، جيشنا قليل العدد، وإن بقرطبة جيشا عظيما تؤيده العامة، وليس ببعيد أن تستنجد قرطبة بحليفها باديس بن حبوس، فيقع رجالي بين شقي الرحا.
فصاح المعتضد: لقد صدق فيك ظني ... إنك لجبان رعديد منخوب الفؤاد ... بمثلك تضيع الممالك؛ وتهزم الجيوش ... أغرب عني ... أغرب ... ثم وثب عليه ففر من أمامه.
Shafi da ba'a sani ba