Mawāƙin Soyayya Umar Ibn Abi Rabi'a

Abbas Mahmud Al-Aqqad d. 1383 AH
6

Mawāƙin Soyayya Umar Ibn Abi Rabi'a

شاعر الغزل عمر بن أبي ربيعة

Nau'ikan

فغضب لزج الشاعر باسمه في هذا المقام، وقد كان أبوه يصبح ويبيت فيه!

وكان من تدين أبيهم في الجاهلية أنه كان ينفرد وحده بكسوة الكعبة سنة، وتجتمع قريش كلها على كسوتها في السنة الأخرى، وهو أمر إن دل على غناه من جانب، فهو من جانب آخر دليل على تقواه.

فالتوبة الدينية غير بعيدة من مزاج ابن أبي ربيعة الذي تتجلى فيه آثار الوراثة، وهي لا تغيب كل المغيب في حياة إنسان، وما زال معهودا بين كثير من الأسر التي تضطرب فيها الحساسية العصبية أن يظهر فيها التقاة، كما يظهر فيها الغواة؛ لأن الطرفين يلتقيان في خليقة «التأثر» على تناقض ما يتأثران به بعض الأحيان، وربما شوهد أن الغوي ينقلب إلى التقوى، وأن التقي ينقلب إلى الغواية إذا اعتراهما طارئ تختلف به وجهة التأثير.

ولكن المرء يتوب عن عمل يعمله، ولا يتوب عن مزاج طبع عليه، ولهذا نصدق أن عمر قد تاب، ونصدق أنه بقي إلى ختام الحياة يعاود الحنين إلى صبوات الشباب، وفي الشيخوخة عبث ذلك العبث الذي صبا به إلى لقاء شيخة كان يغازلها أيام الشباب، فلما جلس إليها وأحس حركة البنات الناشئات ينظرن من ثقوب الستر، دعا بماء يوهمها أنه سيشرب، ثم مجه عليهن في وجوههن، وراقه أن يتصايحن ويضحكن. وقال لصديقته العجوز وقد لامته على المجون والسفه في سنه: ما ملكت نفسي لما سمعت من حركاتهن أن فعلت ما رأيت.

هذا المزاج لا يتوب منه من طبع عليه، وهذا المزاج هو الذي ننظر إليه من وحي الشاعر في شعره، ولا تتغير دلالته من هذه الوجهة سواء صدق الشاعر في كل ما قال أو في بعض ما قال، وسواء تاب عن صدق أو خادع نفسه وصحبه في المتاب. (2) عصر ابن أبي ربيعة

لابن أبي ربيعة ديوان كبير يشتمل على بضعة آلاف بيت من الشعر، كلها في الغزل إلا القليل، وكل غزلها في الحوار والرسائل التي تدور بينه وبين حسان عصره وظريفاته.

ويستغرب قارئ الديوان أن ينصرف شاعر في جميع شعره إلى هذا الغرض دون غيره، وهو استغراب معقول يرد على كل خاطر للوهلة الأولى، إذا اقتصرنا على النظر إلى الديوان وحده، وقابلنا بين موضوعاته وموضوعات الشعراء المشهورين في الدواوين الكبيرة.

ولكنه استغراب لا يلبث أن يزول أو ينقلب إلى نقيضه إذا تجاوزنا الديوان إلى العصر الذي نظم فيه الديوان والبيئة التي عاش فيها الشاعر. فربما أصبح العجب عندئذ أن يتمخض ذلك العصر عن ديوان واحد، ولا يتمخض عن دواوين شتى من هذا القبيل، وأن يكون ابن أبي ربيعة شاعرا فردا في مجاله بغير نظير يحكيه في إكثاره وانقطاعه، وقد كان ينبغي أن يقترن به نظراء متعددون؛ لأن العصر الذي عاش فيه ابن أبي ربيعة في تلك البيئة التي نشأ بينها كان عصرا غزليا في جميع أطرافه، يشغله الغزل ولا يزال شاغله الأول فوق كل شاغل سواه، وربما عيب على الرجل أن يتجافى عنه ويتوقر منه، كأنه مطالب به مدفوع إليه، وليس قصارى الأمر فيه أن يسيغه ويأنس إليه.

فما من عالم ولا فقيه ولا أمير ولا سري بلغت إلينا أخباره وأحاديثه إلا كان له من رواية الغزل والاستماع إليه نصيب موفور، وما من شدة كانت لا تلين له حتى شدة المحارم والحرمات.

كان ابن عباس - رضي الله عنه - في المسجد الحرام وعنده نافع بن الأزرق وجماعة من الخوارج يسألونه ويستفتونه؛ إذ أقبل عمر بن أبي ربيعة في ثوبين مصبوغين موردين حتى دخل وجلس، فأقبل عليه ابن عباس يستنشده من شعره، فأنشده الرائية التي يقول في مطلعها:

Shafi da ba'a sani ba