Mawāƙin Soyayya Umar Ibn Abi Rabi'a
شاعر الغزل عمر بن أبي ربيعة
Nau'ikan
والواقع أن مثل هذا الانفراد عجيب لولا أن نرجع إلى الحقيقة برمتها ولا نقف عند النظرة الأولى إلى العصر كله على الإجمال.
فابن أبي ربيعة لم يكن شاعر الغزل في العصر كله، ولكنه كان في الحقيقة شاعر الطبقة الوادعة المترفة من أبناء ذلك العصر وبناته دون غيرها، وهي طبقة يعد أفرادها بالعشرات ولا يتجاوزونها إلى المئات، ومن كان من شعرائها يساويه في الحسب والجاه كالحارث بن خالد أو العرجي سليل عثمان بن عفان؛ فقد كان له شاغل آخر عن الغزل ومصاحبة الحسان، فكان الحارث واليا لمكة وكان العرجي يشهد الوقائع بأرض الروم، وكانا مع ذلك دون عمر في الملكة الشعرية والطبيعة الغزلية، فإذا اجتمع التعبير عن الطبقة كلها في الديوان الكبير الذي نظمه عمر بن أبي ربيعة فذلك حسب تلك الطبقة من حديث منظوم.
فهو وحده كان الشاعر المكثر بين الوادعين المترفين من أهل زمانه، وكان مكانه في طبقته يبيحه أن ينقل عنها وتنقل عنه، ويسمع منها وتسمع منه، ويختلط بها وتختلط به على سنة المصاحبة والمساواة. فقد كان في الذؤابة من بيوت قريش غنى وجاها وحسبا، وكان همه موكولا بمن يساوينه في الطبقة من بنات تلك البيوت؛ إذ لا نعرف من أخباره خبرا واحدا شبب فيه بفتاة من غير ذوات الشارات والأحساب، وإن عرض ببيت هنا وبيت هناك لفتاة من زائرات الحج المجهولات النسب فمن المحقق أن يكون مغريه بها النعمة البادية والسمة التي تنم على الرفاهة والرخاء، ثم لا يتعقبها إلى زمن طويل.
أما حسانه اللائي اشتهر بالحديث عنهن وأحب أن يتسم بحبهن فكلهن من ذوات الحسب والثراء، ومن طبقة محدودة لها ذوقها الخاص الذي لا يشبه عامة الأذواق.
فعائشة بنت طلحة التي تقدمت الإشارة إليها هي بنت طلحة بن عبيد الله وحفيدة أبي بكر الصديق من ناحية أمها، وزوجة مصعب بن الزبير، وصاحبة الشهرة المستفيضة بالترف والعبث بالمال، فمن أخبارها أن مصعبا دخل عليها وهي نائمة في الصباح ومعه ثماني لؤلؤات تقوم بعشرين ألف دينار، فنبهها ونثر اللؤلؤ في حجرها، فما زادت على أن قالت: نومتي كانت أحب إلي من هذا اللؤلؤ.
والثريا - ولعلها أحظى حسانه عنده - هي بنت علي بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس، ولها من الدور والرياض والمال حظ موفور.
والسيدة سكينة بنت الحسين، وفاطمة بنت عبد الملك بن مروان لهما في النسب والثراء مكان لا يعلوه في زمانهما مكان، ويلحق بهما من قريب أو بعيد حسان أخريات كلهن من كبار البيوتات كزينب بنت موسى، وهند بنت الحارث المرية، ومن يشير إليهن بوصف النعمة والبذخ فيدل على طبقتهن، وإن لم يصرح بالكنى والأسماء.
وعلى هذا لا عجب أن ينفرد عمر بحديثه المنظوم عن هذه الطبقة فهو شاعرها الذي اجتمع له من أسباب التعبير عنها ما لم يجتمع لغيره.
ولا عجب أن يترك لنا ديوانا كاملا كله رسائل غرام؛ لأنه كان يعبر عن حاجة من حاجات عصره تتسع لدواوين.
وقد يكون من تمام العلم بذلك الغزل الذي تفوق فيه أن نعلم ما هو الترف الذي كان من أهله وكان موكولا بوصفه، فهو على الجملة ترف ساذج لا يخلو من مسحة البداوة، وقد تبدو سذاجته في الدلال الخشن كما تبدو في إظهار النعمة بالمكاثرة والمباهاة التي يعوزها الصقل والطلاء. فمن الدلال الخشن أن تترفع عائشة بنت طلحة عن ثماني لآلئ بعشرين ألف دينار وهي لو طارت بها فرحا لكانت في ذلك غرارة طفولة هي أملح من كل ذلك الدلال، وسنرى في فصول هذه العجالة المقبلة أن الثريا كانت تلبس الخواتم كسائر بنات عصرها في جميع أصابعها، وأنها لطمت بيدها وجه عمر حتى أوشكت أن تخلع ثنيتيه! ونرى أن إحدى معشوقاته ضربت جارية أرسلها إليها. فمن الواضح أن نلمس أثر ذلك كله في غزل ابن أبي ربيعة وفي دلاله وهو بصبوته وشارته ومركبه وملبسه وشهرته الغرامية. فمن هنا كان شاعر عصره وشاعر طبقته وشاعر طريقته في الغزل لا مراء. (3) طبيعة غزله
Shafi da ba'a sani ba