47

Shacir Andalusi

شاعر أندلسي وجائزة عالمية

Nau'ikan

إنه لا يبتعد عن مدريد، وتقول صحيفة مارتن فييرو

Martin Fierro

في الجمهورية الفضية ما فحواه أنها جغرافية قديمة وخريطة تحتاج إلى التنقيح في خطوط طولها وعرضها.

وقد يتغنى الشاعر في (بوليڤيا) بوطنه الجديد، فيذكر بوليڤار وواشنطون في شطر واحد، كما صنع أوتيرو ريش

Otiero Reich

في قصيدته الطويلة التي سماها «أمريكا»، ولم يصفها بالجنوبية ولا الشمالية.

لكن الحرب الأهلية في إسبانيا وسعت نطاق الجامعة الفكرية بمقدار ما ضيقت من حدود الأوطان السياسية؛ لأن ديار الهجرة رحبت بأدباء الوطن الأصيل الذين قذفت بهم حماستهم الوطنية من ديارهم، أو برمت نفوسهم بالمقام في تلك الديار لاضطرابها بزعازع السياسة والفتن الداخلية، فكانت حماستهم لوطنهم تلازمهم في ديار الهجرة التي اتسعت لآرائهم، ولم تضق بحماستهم الفكرية أو الروحية، وانطلقت أصداء بابل على اختلاطها في ميادين الأدب الهادف، أو الأدب الموجه كما يسميه أنصاره من دعاة اليسار أو اليمين ، وكان اختلاط هذه الأصداء على أشدها في أوطان الجامعة الإسبانية بين المشرق والمغرب، ولعلها اشتدت في تلك الأوطان هذا الاشتداد لما طبع عليه أهلها من الاستجابة السريعة لدوافع الشعور وثورات الطموح والرجاء، ولكنه لم تلبث أن بلغت غايتها من الحدة، ولم تبلغ غايتها من أهدافها الاجتماعية أو السياسية، فتراجعت إلى القرار الوحيد الذي تستقر عنده النفس الإسبانية إذا أعياها المخرج من القلق إلى عمل مستطاع أو أمل ناجح، وذاك هو ملاذ الطمأنينة الخالد حيث تسكن إلى أحضان الطبيعة وأحضان الأسرة وبراءة الفطرة والطفولة.

وقد بقيت الأغنية هي الأغنية بما تردده على الدوام من نغمات المناجاة أو الصلاة، ولكن الموضع الذي خلا بانهيار الأمثلة العليا التي تخيلها طلاب الأهداف الاجتماعية قد شغله الحنين إلى عالم آخر غير عالم الصناعة والفلسفة الاقتصادية، وهو عالم الإنسان الطفل في مهد الطبيعة أو الإنسان الطفل في مهد الأمومة، ولا بد للنفس البشرية من حنين إلى قرار تسمو إليه أو تستريح إليه حيث كان، فإن لم يكن حنينا إلى رجاء تبلغه بالصراع والجهاد، فهو حنين الدعة الذي تبلغه حين تقتدي بالإنسان الوديع في حضن الطبيعة أو بالإنسان الوديع في بواكير الطفولة.

ومما يلفت النظر أن خيبة الرجاء في الأدب الهادف قد شغلت مكان هذا الرجاء في بلاد اللغة الإسبانية جميعا بالحنين إلى الريف أو الحنين إلى الحياة الطيبة في ظل الطفولة، وقد يصادف القارئ ذلك الحنين إلى البراءة من ضوضاء الحياة المصنوعة، أو الحياة الصناعية حيث ينتظر الحنين والحنان في تعبيرات العاطفة ونفحات الشعر والبلاغة، فلا يصادفه بما يلفت النظر؛ لأنه حديث منتظر في مواضعه ومناسباته، ولكنه يعجب حتى تصادفه لفتات الكاتب إلى أيام الطفولة، أو إلى الحديث عن الطفل وعن الريف ومروجه ومراعيه بين فصول القصة وبين غضون المقالة في غير مناسبة تستوجبها وتستطرد إليها، كأنما يملأ بها الكاتب مكانا خاويا ليس في وسعه أن يتركه على خوائه، ولا أن يملأه بتلك الأهداف المعبودة التي تحطمت كما يتحطم الصنم المنبوذ في محرابه المهجور.

ومن الصعب بعد الحرب الأهلية والحرب العالمية أن نفرد الأدب الإسباني بعنوان واحد أصدق من عنوان «أدب الفطرة»، بما تشتمل عليه من فطرة الطبيعة وفطرة الطفولة، فهذا هو الموضوع الذي يأخذ بقسطه الشائع في قصائد كل شاعر وفصول كل ناثر، ولكنه يوشك أن يستأثر بالشعر كله وبالكتابة كلها في أدب خيمينز بين مقامه بموطنه الأول ومقامه بديار الهجرة، فهو أديب الريف والطفولة غير مدافع، وهو إمام هذه المدرسة بين أبناء قومه، ولا جرم يحسبه النقاد إمامها بين سائر الأقوام من أمم الغرب في العصر الحديث؛ لأن الموضوع «أندلسي إسباني» حيث ينتمي إلى أقرب مواطنه إليه.

Shafi da ba'a sani ba