Shacir Andalusi
شاعر أندلسي وجائزة عالمية
Nau'ikan
وتجاهلت اللجنة مواطن إبانيز الفيلسوف أنامونو
Unamuno
على هذا النحو من التجاهل الصامت، حتى قضى نحبه في معتقله (سنة 1936)، واسمه يتردد على الألسنة حيث تنطلق اللغة الإسبانية في العالمين القديم والحديث، وحيث تقرأ روائع الفلسفة والأدب البليغ في سائر اللغات، ولعله كان بين الفلاسفة المحدثين صاحب القلم الذي لا يجاريه كاتب مفكر في طلاوة اللفظ وبلاغة التعبير، بل لعله كان أوفى كتاب الفكر والفلسفة بشرط النزعة المثالثة المقدم على غيره من شروط الجائزة؛ إذ كان يبغض الاستنامة إلى عقيدة من العقائد والجمود عليها، دون أن ينبعث المعتقد بها مع أشواق التطلع والطموح إلى الآمال التي تفوقها والأسرار التي تكمن في أعماقها، وهو القائل في كتابه عن الجانب الفاجع من الحياة: «إن عملي - وأكاد أقول رسالتي - أن أزعزع عقيدة كل معتقد يثبت، وكل معتقد ينفي، وكل معتقد يتشكك، وكل معتقد يكف عن البحث والتفكير؛ وذاك لأنني أومن بالإيمان لذاته، وأعتقد العقيدة في جوهرها، وأناقض كل من يركن إلى مذهب من المذاهب في استسلام وتفويض سواء دان بالكثلكة، أم بالعقل، أم تردد على مذهب الشكوكيين.»
فهو ينكر الجمود حيث كان، ويريد المثالية عملا وسعيا، كما يريدها فكرا وشعورا، ما دام بقيد الحياة، ويجوز أن تكون هذه النزعة المثالية على خلاف شرط اللجنة فيما تفهمه من معنى النزعات المثالية، ولكن الذي نستغربه أن يكون هذا الرأي مسكوتا عنه مفروغا منه، وأن يتقرر الحكم فيه بغير بحث وبغير حجة من طرفي الخلاف.
وموقف اللجنة من أنامونو شبيه بموقفها من قرينه ومعاصره الفيلسوف الإيطالي «كروشه»، نصير الحرية وعدو الفاشية، الذي ثبت على مقاومتها طول حياته إلى أن توفي سنة 1952، وهو في السادسة والثمانين، ومذهبه في الفن وفي علم الجمال مذهب المقبل على الحياة والمؤمن بالواجب وبالقدرة على أدائه. ولم يكن إيمانه هذا مجرد عقيدة في أطواء الضمير، أو دعوة من فيلسوف يقول ولا يعمل، ويشرح النظريات ولا يعنيه ما تئول إليه في حيز الوقائع والعمليات، بل كان يدين بالواجب كما اعتقده ويؤديه على النحو الذي يرتئيه. وقد اعتزل منصبه في وزارة التعليم، ثم اعتزل الحياة العامة يوم حيل بينه وبين الجهر برأيه والعمل على منهجه، والتزم هذه العزلة إلى نهاية الحرب العالمية الثانية؛ إذ كتب له أن يعيش حتى يشهد بعينيه مصداق نبوءاته عن عواقب الحروب والمنازعات في كتابه الذي سماه (التاريخ سياق الحرية)، ولم يبال أن ينشره بعد تمام تأليفه (سنة 1938)، ولم تستطع الفاشية أن تمنعه؛ لأنها لم تشأ أن تشهد على نفسها بمناقضة الحرية في الحال والمآل. •••
إن إهمال هؤلاء الأعلام وغيرهم من نظرائهم غير مفهوم، وأغرب منه أن يكون إهمالهم بغير مناقشة بين أصحاب الآراء المتباينة، وبغير حجة يستند إليها فريق، وينقضها فريق كما يحدث في أمثال هذه الترشيحات.
فليس في الأسباب الأدبية سبب يقف في تفسير ذلك الإهمال المسكوت عنه، ويخطر لنا إذن أن هذا الصمت المتفق عليه أشبه بصمت السياسة الذي يتم التفاهم عليه، ولا يجري التصريح به في كتابة أو مقال.
فلا يخفى أن جوائز نوبل ترتبط بمراسم الدولة، ويشترك رجالها المسئولون في حفلاتها، ويتبادلون الخطب والتصريحات حول موضوعها وأسباب منحها، فمن الجائز أن يتم التفاهم بين المسئولين من قبل اللجنة وقبل الحكومة على اجتناب الأمم التي تنقسم على نفسها، وتتولى الحكم فيها سلطة مستبدة يثور عليها بعض أهلها، ويؤيدها من يؤيدها على غير رضا من سائر رعاياها، وفي هذه الحالة تلتزم اللجنة خطة السكوت على تفاهم بينها وبين المسئولين من رؤساء الدولة، وتتحاشى أن يكون ترشيحها للأديب دخولا منها بين أحزاب الأمة، وتأييدا للثائرين على نظام الحكم فيها؛ فإن الحكومة السويدية تتصل على أية حال بجميع الحكومات وتبادلها التمثيل السياسي والعلاقات التجارية والاقتصادية، فلا يستغرب منها أن تتحرج من مناصرة الخارجين عليها، وبخاصة حين يدعو الأمر إلى بيان عمل الأديب ووجهته ومقاصد أدبه وتفكيره، وقد كان الأدباء الثلاثة - إبانيز وأنامونو وكروشة - على موقف صريح بالعداء للفاشية وللحكومة المطلقة في إيطاليا وإسبانيا، وكانت شهرتهم الأدبية مقارنة لاشتهارهم بالمعارضة أو الثورة وهم منفيون أو معتقلون.
وما من سبب أدبي أو سبب سياسي غير هذا السبب يغني في تفسير ذلك السكوت المتفق عليه. •••
بقي أمر الأدباء الشرقيين وهم يكتبون بلغات شتى، يبلغ عدد المتكلمين ببعضها خمسمائة مليون، ولا يقل عدد المتكلمين بأضيقها انتشارا عن عشرة ملايين، وهو قريب من عدد المتكلمين ببعض اللهجات من اللغات الأوروبية التي أجيزت مرات.
Shafi da ba'a sani ba