Series of Faith and Disbelief - Introduction
سلسلة الإيمان والكفر - المقدم
Nau'ikan
قول وعمل اللسان والقلب
الأصل الآخر هو: أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل، والقول قسمان: قول القلب وقول اللسان، قول القلب: بالاعتقاد والتصديق، يعني: تصديقك بأن محمدًا ﵊ رسول الله، والقرآن كتاب الله، وهذه الأوامر هي أوامر الله، وهذه النواهي هي نواهي الله، فهذا هو التصديق الذي هو جزء من حقيقة الإيمان.
إذًا: حقيقة الإيمان: قول وعمل، القول: قول بالقلب وهو التصديق، وقول باللسان وهو التكلم بكلمة الإسلام.
أما العمل فعملان أيضًا: عمل القلب وعمل الجوارح، عمل القلب: بأن يعمل الأعمال الصالحة بنية وإخلاص ومحبة وانقياد في العمل.
إذًا: حقيقة الإيمان تتركب من قول وعمل، لكن عندما نفصلها تتركب من أربعة: قول بالقلب وقول باللسان، وعمل بالقلب وعمل بالأركان أو بالجوارح.
قول القلب: التصديق والاعتقاد.
وعمل القلب: انقياد القلب لهذه الأوامر وهذه التكاليف، والمحبة والانقياد لحكم الله ﵎، فإذا زالت هذه الأربع: قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح زال الإيمان كله، أما إذا زال من إنسان تصديق القلب لكن تكلم بكلمة الإسلام، وعمل بعمل الجوارح، وأتى بعمل القلب، فهل تنفعه باقي الأجزاء؟ لا.
هذا هو المنافق.
وأما إذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق، كمن يصدق بأن محمدًا رسول الله ﵌، ومؤمن بأن الأمر بالصلاة من عند الله، وأن القرآن من عند الله، وأن محمدًا ﵊ رسول الله حقًا، ولا ينطق عن الهوى، ولكنه لم ينقد لشريعته، ولا لأحكامه، فهذه المسألة من المعارك الكبرى بين أهل السنة وبين المرجئة، فإن المرجئة يقولون: إن الإيمان هو مجرد المعرفة! أما أهل السنة فهم مجمعون على زوال الإيمان إذا انتفى عمل القلب مع وجود التصديق، لماذا؟ لأن إبليس حينما أمره الله ﵎ بالسجود كان عنده تصديق بأن الأمر بالسجود من عند الله، وكان يعلم أن الذي يأمره بالسجود هو الله ﵎، لكن عمل قلبه وانقياد قلبه لهذا الحكم لم يتواجد، وزال عمل القلب مع وجود التصديق، فلم ينفعه وصار إمام الكافرين.
فرعون هل كان مصدقًا بموسى أم لم يكن مصدقًا بأن موسى رسول الله؟ نعم كان مصدقًا، والدليل: قوله ﵎ في سورة النمل في شأن فرعون وقومه: (وَجَحَدُوا بِهَا) أي: بالآيات ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل:١٤]، هذا القرآن يخبرنا أنهم كانوا على يقين كامل من صدق موسى ﵇، لكن كفرهم كان كفر جحود وعناد واستكبار، لكن في قلوبهم كانوا يصدقون.
مشركو قريش أيضًا كانوا يصدقون أن الرسول ﵊ من عند الله؛ ففي قلوبهم وجد قول القلب باعتقاد الصدق، والدليل قوله ﵎: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾ [الأنعام:٣٣]، يعني: من وصفهم إياك بأنك كذاب ﴿فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [الأنعام:٣٣]، كان يشق على النبي ﷺ حينما يسمع أذية المشركين له وهم يتهمونه بالكذب ﷺ، فأنزل الله القرآن لإخباره بهذه الحقيقة التي يعلمها الله وحده ﵎، (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ)، من اتهامك بهذه التهمة الشنيعة الكذب على الله والعياذ بالله، (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ)، اعلم أنهم في الحقيقة لا يكذبونك (وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)، فمشركو قريش كانوا على يقين بأن محمدًا رسول الله حقًا، فالتصديق الذي هو قول القلب بالاعتقاد كان موجودًا لكن لم يوجد عمل القلب بالانقياد لهذا الدين، ولهذا النبي ﷺ نفي عنهم الإيمان.
كذلك أهل الكتاب كانوا كذلك، والدليل قوله ﵎: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [البقرة:١٤٦]، وآيات أخرى كثيرة تدل على أن أهل الكتاب كانوا على يقين أن النبي ﷺ صادق فيما يبلغه عن الله، لكن انتفى عمل القلب بالانقياد، وجد عمل القلب بالتصديق أن هذا من عند الله، لكن لم يشفعوه بانقياد القلب ومحبة وامتثال ما أمر به ﵌.
أيضًا عمل القلب داخل في حقيقة الإيمان، وحقيقة التصديق يدخل فيها العمل، والدليل على ذلك: قوله ﵎ في حق إبراهيم ﵇: ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [الصافات:١٠٣ - ١٠٥]، فمتى وصفه الله ﵎ بتصديق الرؤيا؟ إبراهيم ﵇ لما استيقظ من نومه بعد أن أوحي إليه في المنام أن يذبح ابنه كان مصدقًا بذلك، ولو لم يكن مصدقًا لما أقدم على ذبح ولده؛ لأنه يعلم أن هذا وحي من الله ﵎؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي، ومع ذلك لما امتثل قلبه وجوارحه لهذا الأمر الإلهي الذي أريه في منامه حينئذ وصف بالتصديق: ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا﴾ [الصافات:١٠٤ - ١٠٥]، لما انضم إليه انقياد القلب والعمل.
خلاصة الكلام: أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل، القول: قول القلب: وهو اعتقاد الصدق.
وقول باللسان: وهو النطق بكلمة التوحيد.
ثم عمل: وهو عمل القلب بالنية والإخلاص والمحبة والانقياد، ثم عمل الجوارح، وإذا زالت هذه الأربع زال الإيمان كله بكماله، وإذا زال تصديق القلب زال الإيمان ولم تنفع بقية الأجزاء.
3 / 6