205

Series of Ambitions - The Prelude

سلسلة علو الهمة - المقدم

Nau'ikan

علو همة الخلفاء الراشدين في الجهاد
الشجعان في أمته ﷺ والأبطال لا يحصون عدة، ولا يحاط بهم كثرة، لاسيما أصحابه المؤيدين، الممدوحين في التنزيل بقول الله ﵎: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح:٢٩].
إن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كلهم شجعان، فالشجاعة من الكمالات التي تحلى بها الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
فأشجع الصحابة -وكلهم ﵃ شجعان- أفضل البشر جميعًا بعد الأنبياء، خليفة رسول الله ﷺ أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، هكذا شهد له علي بن أبي طالب ﵁ أنه أشجع الناس، وصدق ﵁، فقد كان أثبتهم قلبًا وأقواهم جنانًا، وحسبك من ذلك ثبات قلبه يوم بدر، ويوم أحد، ويوم الخندق، ويوم الحديبية، ويوم حنين، بل ثبات قلبه وتثبيته المسلمين عند الخطب الأعظم والأمر الأفخم بموت رسول الله ﷺ.
فلا يرتاب عاقل على الإطلاق في أن أشد مصيبة وقعت بالمسلمين على الإطلاق هي وفاة رسول الله ﷺ، فهذه أشد قاصمة تعرض لها الإسلام، فإذا ما استحضرت أحداث هذا اليوم العصيب الذي هو أفظع مصيبة عاناها المسلمون -ولن يبتلوا أبدًا بأشد منها- كما قال ﵊: (ليعزي المسلمين في مصائبهم المصيبة بي) يعني: إذا مات لأي مسلم بعد رسول الله ﵇ أي إنسان مهما كان عزيزًا عليه فليتذكر موت رسول الله ﷺ حتى يعزي نفسه- فإذا راجعنا أحداث هذا اليوم عرفنا كيف ثبت أبو بكر الصديق ﵁ ثباتًا لا نظير له، حتى عمر الفاروق لم يثبت، بل حصل له ما حصل من الاهتزاز والزلزلة حينما بلغه نبأ وفاة رسول الله ﷺ، فلا شك في أن هذا من قوة إيمانه وثبات جنانه رضي الله تعالى عنه.
وكذلك عزمه في قتال من ارتد حينئذ، فتلك الشريعة التي تضاءلت لها فرسان الأمم، والهمة التي تنازلت لها أعالي الهمم.
ومنهم الفاروق ناصر الدين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، الذي بلغ من الشجاعة والهمة الكبرى أقصى الغايات وأعلى النهايات، والأخبار في قوته في الدين وشدته على المشركين كثيرة مشهورة، ولو أفضنا في الكلام على مواقف عمر رضي الله تعالى عنه وشجاعته لاستوعب ذلك وقتًا كثيرًا جدًا.
وهذا الليث الحفصاص، والغيث المدرار، ومفرق كتائب المشركين، والآتي من أنواع الشجاعة بما أوجب تحير المتحيرين، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، كان درعه صدرًا لا ظهر له، فقيل له: ألا تخاف أن تؤتى من قبل ظهرك؟! ينصحونه بأن يتخذ درعًا على ظهره، حتى إذا ما جاءه أحد الأعداء من قبل ظهره لا يتمكن أن يطعنه أو يصيبه، فقال علي ﵁: إن أمكنت عدوي من ظهري فلا أبقى الله عليه إن أبقى علي.
يعني أنه لا يمكن عدوًا من أن يناله أبدًا من ظهره، وفيه إشارة إلى أنه لا يفر أبدًا ولا يولي الدبر؛ لأن العدو لن يقابل ظهره إلا إذا ولى الدبر.
وذكر ابن عبد البر في صفة علي ﵁ أنه من شدة بأسه وشجاعته كان إذا أمسك بذراع رجل لم يستطع أن يتنفس.
أي: يتوقف الرجل عن التنفس من شدة الخوف والبأس وقوة قبضة علي رضي الله تعلى عنه.
وأخبار شجاعته وعلو همته ﵁ كثيرة مشهورة.

13 / 4