Secularism: Its Rise and Development
العلمانية - نشأتها وتطورها
Mai Buga Littafi
دار الهجرة
Nau'ikan
فهمت الكنيسة من قول المسيح: "مملكتي ليست من هذا العالم" -إن كان قالها- أن الدنيا والآخرة ضرتان متناحرتان وضدان لا يجتمعان، الدنيا مملكة الشيطان ومحط الشرور والآثام، وعمل الإنسان فيها لتحسين أوضاعه المعاشية ومحاولة تحقيق القسط الملائم من السعادة والرفاهية والتمتع بطيبات وخيرات الكون، كلها أعمال دنسة يمليها الشيطان ليصرف الإنسان عن مملكة المسيح الخالدة (الآخرة)، والفقر وشظف العيش - حسب المفهوم الكنسي- هما مفتاح الملكوت الضامن، وتنسب الأناجيل إلى المسيح قوله: "إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله" (١).
وبمقتضى ذلك لا يسأل الإنسان الله شيئًا من متاع الدنيا أو خيراتها العاجلة، بل يقتصر على ما طلبه المسيح حسب رواية الأناجيل (خبزنا كفافا) (٢).
والإنسان -حسب هذا المفهوم- يولد موصمًا بالخطيئة الموروثة ويدخل إلى الدنيا دخول المجرم إلى السجن، وكما أن أباه أكل من الشجرة فعوقب بالطرد من الجنة وقضي عليه بالحرمان والنكد، فكذلك إذا تمتع بطيبات الدنيا وملاذها فسيعاقب بحرمانه من نعيم الملكوت.
إذا كان هذا هو حال الدنيا وحال الإنسان فيها ففيم العناء لإصلاح ما وجد بطبيعته فاسدًا؟ وما جدوى تقويم ما خلق من أصله معوجًا؟ ليتحكم الجبابرة في الناس وليستعبدوهم وليعبثوا في الكون كما يريدون، فسوف يحاسبهم المسيح يوم الدينونة! وليجمع الناس المال ويتمتعوا بالحياة الدنيا ويتزوجوا وينجبوا، فسوف يحرمهم ذلك من الدخول في ملكوت الله والفوز في الملأ الأعلى، أما المسيحي الكامل
_________
(١) متى: (١٩/ ٢٥).
(٢) متى: (٦/ ١٢).
1 / 69