كان ذو الوجه الملائكي قد استمع رغما عنه لصوت أحد خدمه يقرأ إعلان وفاة السيد خواكين سيرون بصوت عال.
وخلص إحدى ذراعيه من الشراشف وثناها تحت رأسه. كان السيد «خوان كاناليس» يسير عبر دماغه مرتديا ريشا. كان قد انتزع أربعة قلوب مصنوعة من الخشب وأربعة قلوب مقدسة وصنع منها صاجات يدق عليها. وكان بوسعه أن يشعر في قذاله بالسيدة «جوديث»، بثدييها الهائلين سجينة الكورسيه المصنوع من خيوط المعدن والرمال، وشعرها المصفف على الطريقة «البومبية» ومشط فخم في وسطه جعلها تبدو كالتنين. وأحس بتقلص عنيف في ذراعه الذي استخدمه وسادة تحت رأسه، ومده في حذر، كأنه ثوب فيه عقرب يسعى ... في حذر ...
كان ثمة أسانسير مليء بالنمل يصعد تجاه كتفه، وأسانسير مليء بنمل مغناطيسي يهبط تجاه مرفقه. ومضى التقلص عبر أنبوب مقدم ذراعه واختفى وسط الظلال. وكانت يده نافورة مياه - نافورة ذات أصابع مزدوجة. وشعر بعشرة آلاف ظفر حتى أخمص قدميه. - «يا للفتاة الصغيرة المسكينة، تقرع وتقرع ثم لا شيء ... إنهم متوحشون، بغال عنيدة. سوف أبصق في وجوههم لو فتحوا الباب. بالتأكيد، كما أن ثلاثة واثنين خمسة ... وخمسة عشرة ... وتسعة تسع عشرة، سوف أبصق في وجوههم. كانت تقرع الباب في انشراح أول الأمر، ولكن في النهاية بدت وكأنها تحفر في الصخر. لم تكن تقرع الباب، بل تحفر قبرها بنفسها. يا لها من صحوة مريرة! سوف أذهب لرؤيتها غدا إن استطعت. بحجة أنني أحمل لها أخبارا عن والدها. آه، لو كان بإمكاني فحسب أن أحصل على أخبار عنه اليوم. بوسعي ... رغم أنها قد لا تصدق ما أقول.» ••• «إنني أصدق ما تقول! إنني مقتنعة، مقتنعة تماما أن أعمامي قد تنكروا لوالدي وقالوا لك إنهم لا يريدون رؤيتي في منزلهم مرة أخرى.»
كان هذا يجول في خاطر كميلة إذ هي ترقد في سرير «لامسكواتا» والألم يعتصر ظهرها، بينما الناس في الحانة، التي يفصلها عن حجرة النوم حاجز من الألواح القديمة والمشمع والخرق البالية، يعلقون على أحداث اليوم: هروب الجنرال، واختطاف ابنته، وأنشطة المحبوب. وتظاهرت صاحبة الحانة بعدم سماع أي شيء يقولونه، بيد أنها حرصت على ألا تفوتها كلمة منه.
وحملت موجة جديدة مفاجئة من الغثيان بكميلة بعيدا عن هذه العصبة الآثمة. إحساس بالسقوط عموديا وفي صمت ... وبعد تردد، أتصرخ مع ما في ذلك من تهور، أو لا تصرخ وربما يغمى عليها تماما، قررت أن تصرخ طلبا للعون. وبعد ذلك، أحاط بها شعور بالبرد، كأنما من ريش طيور ميتة. وهرعت «لامسكواتا» لنجدتها على الفور - ماذا حدث؟ وحالما رأتها هناك شاحبة اللون كالثلج، وذراعاها متصلبتان كيد المكنسة، وفكاها مطبقان، وعيناها مغلقتان، أسرعت بأخذ جرعة من البراندي من أقرب زجاجة، ورشت بها وجهها. وأفعمها القلق لدرجة لم تسمع معها زبائنها وهم يغادرون الحانة. وتضرعت للعذراء ولجميع القديسين ألا تموت الفتاة هنا في منزلها. ••• - «حين افترقنا هذا الصباح، بكت مما قلته لها. ماذا كان بوسعها أن تفعل؟ حين يقع شيء كان يبدو مستحيلا، يبكي المرء إما من السرور أو الأسى ...»
هكذا كان يجول بخاطر ذي الوجه الملائكي وهو يرقد في الفراش، نصف نائم، نصف مستيقظ، مستيقظ على لهيب أزرق سماوي. وشيئا فشيئا، نام بالفعل، طافيا تحت أفكاره المضطرمة، دونما جسد، دونما شكل، كنسمة هواء دافئة تهتز من جراء أنفاسه ...
وبعد هذا السقوط في العدم، لم يبق له إلا كميلة، طويلة عذبة، قاسية، كالصليب المنتصب فوق المقابر ...
واستقبله ملك النوم، الذي يخط بحار الحقيقة المظلمة، في واحدة من سفنه العديدة. وجرته أيد خفية بعيدا عن فكي الأحداث الفاغرين، بينما الموجات النهمة تتشاجر بوحشية على مزق ضحاياها.
وتساءل ملك النوم: من هو؟
وأجاب رجال خفيون: ميغيل ذو الوجه الملائكي.
Shafi da ba'a sani ba