وقال الرئيس له بعد أن عرض الوقائع عليه: «اسمع أيها السيد المدعي العام، دع هنا عريضة الاتهام هذه، وأنصت إلى ما سأقوله لك: لا السيدة «دي روداس» و«ميغيل» مذنبان، أصدر أوامرك بالإفراج عن تلك السيدة وألق بأمر القبض على ميغيل في سلة المهملات. إن المذنبين هم أنتم، أيها الحمقى، لمن ولاؤكم وخدماتكم ...؟ أي نفع فيكم ...؟ لا شيء! كان على الشرطة أن تنهي حياة الجنرال «كاناليس» عند أقل بادرة منه للهرب. كانت الأوامر هكذا! ولكن الذي حدث هو أنه لم يكن في إمكان الشرطة رؤية باب مفتوح دون أن تأكلها يدها للسرقة والنهب! إنك تقول: إن ذا الوجه الملائكي قد لعب دورا في هروب الجنرال «كاناليس». إنه لم يكن يدبر لهربه، وإنما لموته. بيد أن رجال الشرطة ما هم إلا حمقى رسميون ... لك أن تنصرف. أما بالنسبة إلى الرجلين المتهمين الآخرين فاسكيز وروداس، فأوقع بهما ما يستحقان من عقاب، فهما أفاقان، خاصة فاسكيز، الذي يعلم عن الأمر أكثر مما هو مسموح له. لك أن تنصرف.»
الفصل العشرون
ذئاب من نفس النوع
لم تكف جميع الدموع التي سحها «خينارو روداس» لمحو التعبير الذي بدا في عيني الأبله وهو يحتضر، من ذاكرته، وها هو يقف الآن أمام المدعي العسكري العام مطأطئ الرأس، وقد انطفأت فيه آخر ذبالة من الشجاعة من جراء ما حل بأسرته من مصائب، ومن جراء حالة القنوط التي تبسط ظلها على من يفقد حريته حتى لو كان أشجع الشجعان. وأصدر المدعي العام أوامره بفك قيوده، وقال له أن يقترب، بلهجة من يخاطب خادما.
وقال له بعد صمت طويل كاد يكون اتهاما: يا ولدي، إني أعرف كل شيء، وما أسألك إلا لكي أسمع من شفتيك كيف مات ذلك الشخاذ في «رواق الرب».
فسارع «خينارو» يقول: ما حدث ... ثم توقف كأنما هو خائف مما سيقوله. - أجل، ماذا حدث يا ولدي؟ - آه يا سيدي، بحق الإله لا تمسني بسوء، بحق الرحمة يا سيدي! - لا تخف يا ولدي. إن القانون قد يعامل المجرمين الأشرار بقسوة، ولكن ليس ولدا طيبا مثلك. لا تقلق وقل لي الحق. - أوه، إني أخاف أن تنزلوا بي سوءا.
وكان يتلوى بطريقة مسترحمة وهو يتكلم، كأنما يدافع عن نفسه من خطر يطوف في الهواء من حوله.
كلا، كلا، هيا الآن. - ما حدث؟ كانت تلك الليلة - أنت تعرفها - الليلة التي رتبت فيها مقابلة «لوسيو فاسكيز» عند الكتدرائية وتوجهت إلى هناك عن طريق الحي الصيني. كنت يا سيدي أبحث عن عمل وكان لوسيو قد أخبرني أن بوسعه الحصول على وظيفة في الشرطة السرية. تقابلنا كما قلت، وكانت التحية والسلام والسؤال عن الأحوال، ثم طلب مني ذلك الرجل أن نتناول كأسا في بار يقع على مبعدة خطوات وراء «ميدان السلاح» اسمه «صحوة الأسد». ولكن الكأس أصبح اثنين وثلاثة وأربعة وخمسة، وباختصار ...
فوافق المدعي العام قائلا وهو يلتفت ناحية الكاتب ذي الوجه المليء بالنمش الذي كان يكتب أقوال المتهم: أجل، أجل ، باختصار. - حسنا إذن، كما ترى، ظهر أنه لم يتمكن من الحصول على تلك الوظيفة في الشرطة. فقلت له إن هذا لا يهم. ثم، آه، أجل أني أذكر، لقد دفع هو ثمن المشروبات. وبعد ذلك، خرجنا نحن الاثنين مرة أخرى إلى «رواق الرب» حيث كان على لوسيو نوبة الحراسة هناك، كما أخبرني، إذ كان عليه أن يبحث عن رجل أخرس مصاب بالسعار ويجب قتله. وعلى هذا قلت له: «سأعود إلى منزلي». وحين وصلت إلى الرواق، كنت وراءه بخطوات. وعبر الطريق ببطء، بيد أنه حين وصل إلى مدخل الرواق، رأيته يخرج ثانية جاريا. وخرجت خلفه، معتقدا أن ثمة شخصا يطاردنا. وأمسك فاسكيز بشيء إلى جوار الحائط - كان هو ذلك الأخرس، الذي أخذ في الصراخ كأنما الحائط قد سقط على أم رأسه حين شعر بوقوعه في الأسر. ثم جذب فاسكيز مسدسه ولم ينطق بكلمة بل أطلق عليه النار، ومرة أخرى. آه، كلا يا سيدي، لم أكن أنا الذي قتلته، لا تمسوني بسوء، إني لم أقتله. كنت أبحث فحسب عن وظيفة يا سيدي، فهل ترى ما حدث من جراء ذلك؟ كان من الأفضل لي أن أبقى نجارا، ماذا حدث لي كيما أود أن أصبح رجل شرطة.
ومرة أخرى، وقعت نظرات المدعي العام الباردة على عيني روداس. ثم ضغط على جرس أمامه، صامتا ودون أن يغير التعبير المرتسم على وجهه. وسمع صوت وقع أقدام، وظهر عند الباب عدة حراس يتقدمهم رئيسهم. - أيها الرئيس، يجلد هذا الرجل مائتي جلدة.
Shafi da ba'a sani ba