بصق «فاسكيز» تلك العبارة مع آخر جرعة من كأسه ممتزجة بالرضاب الذي بعثته فيه، وأضاف: «لقد وضع مساعد المدير اسم أحد أقربائه بدلا منك، وحين تدخلت من أجلك، كانوا قد أعطوا الوظيفة بالفعل لذلك القذر.» - يا للحظ السيئ! - ولكن: حين يأمر الربان بشيء فعلى البحار أن يطيع وهو صامت. لقد جعلته يشعر أنك مشتاق للالتحاق بالشرطة السرية، وأنك رجل يعتمد عليه. إنك تعرف من هو فاسكيز! - وماذا قال لك؟ - ما سبق أن قلته لك: إن هناك شخصا من أقاربه للوظيفة، وبهذا فقد أفحمني. إن ما أقوله لك الآن إن الالتحاق بالشرطة السرية أصعب الآن مما كان عليه سابقا حين التحقت أنا بها. إن الكل يتسابق عليها باعتبارها ذات مستقبل عظيم.
ورد «روداس» على كلمات صديقه بهزة من كتفيه وتعليق غير مفهوم. لقد حضر وكله أمل في أن يحظى بالوظيفة. - لا تكن متشائما هكذا. حالما أسمع عن وظيفة أخرى شاغرة، فهي لك. أحلف بالله، بأمي، إنها لك؛ الآن بصفة خاصة بعد أن تأزمت الأمور لا بد أن يحتاجوا إلى المزيد من الرجال. ألم أحك لك؟
وحين قال «فاسكيز» ذلك، تلفت حوله في عصبية ثم أضاف: كلا، لست ثرثارا، من الأفضل لي أن أسكت. - حسنا، لا تحك لي شيئا، إني لا أهتم بذلك. - إنه موضوع خطير! - اسمع أيها العجوز، لا تحك لي شيئا، اسكت من فضلك، إنك لا تثق بي، ها، إنك لا تثق بي ... - بل أثق بك يا صديقي ... يا لك من شخص حساس! - اسمع؛ اسكت؛ فأنا لا أحب هذه الشكوك. إنك كالنساء! إني لم أطلب منك أن تقول لي أي شيء حتى تنصرف على هذا النحو!
ووقف «فاسكيز» ليرى ما إذا كان ثمة أحد على مرمى السمع منهما، ثم تحدث في نبرة خفيضة وهو يقترب من «روداس»، الذي أخذ ينصت إليه عابسا ولم يزل مستاء من تكتمه في الأمر. - لا أدري إذا ما كنت قد قلت لك إن الشحاذين الذين كانوا ينامون في «رواق الرب» ليلة مقتل الكولونيل «سونرينتي» قد اعترفوا أخيرا، ومن ثم فلا يوجد مخلوق لا يعلم من الذي قتل الكولونيل. وأضاف رافعا صوته: «من هو في ظنك؟» ثم قال خافضا صوته إلى حد يتلاءم مع رجل من الشرطة السرية: ليس غير الجنرال «إيوسبيو كاناليس» والمحامي «قابيل كرفخال» ... - أحقيقي ما تقول لي الآن؟ - لقد صدر الأمر باعتقالهما اليوم. ها أنت تعرف كل شيء الآن.
قال «روداس» وقد هدأت نفسه: «إذن فالأمر كذلك! ذلك الكولونيل الذي يحكون أن باستطاعته قتل ذبابة بطلقة من مسدسه على بعد مائة خطوة، وكان مكروها من الجميع، لم يقض عليه مسدس ولا سيف، بل انقصفت رقبته كالدجاجة، بإمكان المرء فعل أي شيء في هذا العالم إذا هو صمم على ذلك. ذلك الخنزير القاتل!»
واقترح فاسكيز دورة أخرى من الشراب، ونادى: كأسان آخران يا سيد «لوتشو».
وملأ «لوتشو» النادل كأسيهما مرة أخرى، وكان يخدم الزبائن مرتديا ميدعة من الحرير الأسود.
وصاح فاسكيز: «عليك بالكأس»، وأضاف من بين أسنانه بعد أن بصق: «إنني أكره أن أرى كأسا ملآن، فلتعلم ذلك إن كنت لا تعرف. في صحتك!»
كان القلق قد بدا على روداس، بيد أنه أفرغ كأسه في عجلة، وقال وهو يزيحه عن فمه: إن من أرسل الكولونيل إلى العالم الآخر ليس من البلاهة بحيث يعود إلى مكان فعلته مرة أخرى، في أي وقت. - ومن قال إنه سيعود؟ - ماذا؟ - اسمع ... يمكن أن يحدث أي شيء بينما هم يبحثون ... ها ها ها ... لقد جعلتني أضحك! - إن ما تقول هو ما يبعث على الضحك. ولكني أقول إنهم ما داموا يعرفون من قتل الكولونيل، فلا قيمة لأن يقفوا في «رواق الرب» في انتظار عودته كيما يمسكوا به ... أو لا تقل لي إنكم هنا من أجل عيون الأتراك؟ - لا تقل مثل هذا الهذر! - وأنت لا تقل لي هذه القصص العجيبة في مثل هذا الوقت من الليل! - إن ما تفعله الشرطة السرية في «رواق الرب» لا شأن له بمحنة الكولونيل «باراليس» ولا يهمك معرفته ... - كما لو كنت تعرف كل شيء. - إني أعرف ما يعنيني معرفته. - وأنا يتعين أن أعرف! - كف عن هذا الهذر. الواقع أن وجود الشرطة السرية في الرواق لا علاقة له بالجريمة، حقيقة، كلا. لن تتخيل ما تفعل هنا ... إننا في انتظار رجل مصاب بسعار الكلاب. - بالله عليك! - أتذكر ذلك الأخرس الذي يصيحون به «أماه» في الطرقات؟ ذلك الرجل الطويل الأعجف، الملتوي الساقين، الذي يجري في الطرقات كالمجنون ... أتذكره؟ أجل بالطبع أتذكره. حسنا، إننا نترقب وصول هذا الشخص إلى رواق الكتدرائية، حيث اختفى من هناك منذ ثلاثة أيام. سوف نرشق جسده بالرصاص.
ووضع فاسكيز يده على مسدسه حين نطق بالعبارة الأخيرة. - والله لقد أخفتني يا شيخ! - كلا يا رجل. لم أقل ذلك لأخيفك. إنها الحقيقة، صدقني، إنها الحقيقة. لقد عض عددا من الناس وأوصى الأطباء بإعطائه جرعة من الرصاص. ما رأيك؟ - إنك تسخر مني، ولكن لم يولد بعد من يستطيع خداعي. إن رجال الشرطة ينتظرون في «رواق الرب» من قتل الكولونيل. - يا إلهي، كلا! يا لك من عنيد صلب الرأي! إنهم ينتظرون الأخرس كما قلت لك، الأخرس، الأخرس المصاب بالسعار، والذي عض كثيرا من الناس! هل تريد أن أعيد ذلك على مسامعك؟ •••
Shafi da ba'a sani ba