وفي القصر، كان الرئيس يوقع أوراقا بمساعدة الرجل الهرم الضئيل الهزيل الذي دخل الغرفة حين غادرها الدكتور بارينيو، والذي سبق أن أطلق عليه لقب «ذلك الحيوان».
وكان «ذلك الحيوان» رجلا رث الهيئة، ذا بشرة وردية تشبه جلد الجرذان، وشعر يشبه الذهب الرخيص، وعينين زرقاوين قلقتين ضائعتين وراء نظارة صفراء فاقعة اللون.
وضع الرئيس اسمه للمرة الأخيرة، وسارع الرجل الهرم الضئيل الهزيل يحاول تجفيف التوقيع، فسكب دواة الحبر فوق الورقة التي انتهى الرئيس توا من توقيعها. - يا حيوان! - سيدي! - يا حيوان!
دق جرس، وأخرى، وأخرى ... خطوات مسرعة، ويظهر أحد الضباط عند الباب.
وزأر الرئيس: «أيها الجنرال، يضرب هذا الرجل مائتي جلدة فورا، فورا.» ثم انتقل من فوره إلى جناحه في القصر حيث كان الغذاء جاهزا.
وامتلأت عينا «ذلك الحيوان» بالدموع. ولم يقل شيئا، لأنه كان عاجزا عن النطق، ولأنه كان يعلم أنه لا فائدة من طلب المغفرة: ذلك أن اغتيال الكولونيل «سونرينتي» قد أفقد الرئيس صوابه. ولاحت أمام ضباب عينيه زوجته وأولاده يلتمسون الرأفة به: سيدة مكافحة وستة من الأطفال الناحلين. وبحث في جيب معطفه بيد كالمخلب عن منديل. آه لو كان بإمكانه فحسب أن يخفف عن نفسه بالبكاء! لم يكن يرى، كما هو مفروض، أن العقوبة جائرة، بل إنه كان على العكس، يعتقد أن من الضروري أن يضربوه كي يتعلم أن يكون أقل رعونة - آه لو كان بإمكانه فحسب أن يخفف عن نفسه بالبكاء! - وأن يكون أكثر كفاءة وألا يسكب الحبر على الوثائق - آه لو كان بإمكانه فحسب أن يخفف عن نفسه بالبكاء!
وبدت أسنانه بارزة بين شفتيه المضمومتين كأنها أسنان المشط؛ وتضافرت مع وجنتيه الغائرتين وسيمائه الملتاعة كيما تخلع عليه مظهر رجل محكوم عليه بالإعدام. وكان قميصه ملتصقا بفعل العرق، مما زاد في حزنه وضيقه. إنه لم يعرق من قبل بهذه الكثرة. آه لو كان بإمكانه فحسب أن يخفف عن نفسه بالبكاء! وشعر بغثيان الخوف يدفع بالقشعريرة في أوصاله.
ومسك به أركان حرب الرئيس من ذراعه، وكان ذاهلا، فاقدا للحس والحركة، جاحظ العينين، مقوس القامة، يغمره إحساس هائل بالفراغ، ويشعر بجلده ثقيلا، ثقيلا جدا ويحس بالخور، الخور ...
وبعد ذلك بدقائق، في حجرة طعام الرئيس: عن إذنك، سيدي الرئيس. - تفضل يا جنرال. - سيدي، لقد جئت أخبركم أن «ذلك الحيوان» لم يستطع أن يتحمل المائتي جلدة.
وكان الرئيس عند ذاك يتناول شيئا من البطاطس المقلية، ولم تستطع الخادمة. التي تقدم له الطبق أن تمنع نفسها عن الارتجاف، فصاح بها سيدها: «وأنت، لماذا ترتعدين؟» ثم وجه كلامه إلى الجنرال الذي كان يقف وقفة انتباه وقبعته العسكرية في يده دون أن تطرف عيناه، قائلا: «حسن جدا، يمكنك أن تنصرف.»
Shafi da ba'a sani ba