120

Shugaban Kasa

السيد الرئيس

Nau'ikan

فرد رئيس المجلس: «هذا لا علاقة له بنا. إن الفترات التي تتخلل الجلسات قصيرة، والوقت يمر، وهذه القضية عاجلة. لقد استدعينا ها هنا كي نصدر الحكم.»

وما تبع ذلك كان بالنسبة لكرفخال حلما، نصفه مراسم، ونصفه الآخر مهزلة. كان هو الممثل الرئيسي، يواجههم جميعا من مكانه على أرجوحة الموت، وسط فراغ عدائي. بيد أنه لم يشعر بالخوف، لم يشعر بأي شيء، بل نامت مخاوفه تحت جلده الخدر. وأبدى شجاعة عظيمة. وكانت المنضدة التي جلست هيئة المحكمة حولها مغطاة بعلم الدولة، كما تقضي اللوائح. أزياء عسكرية. قراءة الوثائق . وثائق عديدة. حلف اليمين. وكتاب القانون العسكري يرقد كالحجر على المنضدة فوق العلم. وكان الشحاذون جالسين في مقاعد الشهود. جلس «ذو القدم المسطوحة» منتصب الظهر، بوجهه الثمل البشوش الخالي من الأسنان وشعره المصفوف بعناية، لا تفوته كلمة مما كان يتلى ولا تعبير يرتسم على سيماء رئيس المحكمة. أما سلفادور النمر «فقد تابع سير المحاكمة بهيبة الغوريلا، وهو يحفر في أنفه المفرطحة، أو في الأسنان القليلة المنتشرة في فمه العريض الذي يمتد من الأذن إلى الأذن الأخرى.» أما «فيودا» الطويل الأعجف ذو الهيئة الشريرة، فقد لوى وجهه وخلع على نفسه هيئة الجثة كيما يبتسم لأعضاء المحكمة. وعمد «لولو» القزم السمين المتجعد الوجه إلى الانخراط في نوبات فجائية من الضحك أو الغضب، من الود أو من الكراهية، وبعدها يغلق عينيه ويسد أذنيه حتى يعلم الجميع أنه لا يريد أن يرى أو يسمع شيئا مما يجري في القاعة. والتف «دون خوان دي لا ليفاكوتا» بمعطفه الفراك العتيق الذي لا يرى دونه، ضئيلا، شارد الذهن، تشي ملابسه المستعملة بأنه ينحدر من أسرة برجوازية: ربطة عنق عريضة ملطخة بعصير الطماطم، حذاء من الجلد الأصلي ملتوي الكعبين، ردنان صناعيان، صديري منفصل للقميص؛ بينما خلعت عليه قبعته المصنوعة من القش، وصممه الثقيل مظهرا رشيقا. وأخذ دون خوان، الذي لم يكد يسمع أي شيء، يحصي الجنود المنتشرين أمام جدران القاعة على مسافة خطوتين من أحدهما الآخر. وإلى جواره جلس «ريكاردو» العازف يغطي رأسه وجزءا من وجهه بمنديل ملون، محمر الأنف، ولحيته الشائكة عليها بقايا من طعام. وكان ريكاردو العازف يكلم نفسه، وعيناه مثبتتان على بطن الصماء البكماء المنتفخ، التي كانت جالسة معهم إلى جواره يسيل اللعاب من فمها وتحك القمل تحت إبطها الأيسر. وبعدها كان يجلس «بيريكي»، وهو زنجي ذو أذن واحدة على شكل المبولة. وبعد بيريكي، «ميونا» الصغيرة وكانت بالغة النحافة، عوراء، لها شارب خفيف، وتنبعث منها رائحة الحشايا العتيقة.

وبعد تلاوة لائحة الاتهام، نهض المدعي، وهو عسكري قصير الشعر تبرز رأسه الصغيرة من صدار عسكري ذي بنيقة بالغة الضخامة بالنسبة إليه، وطالب بالحكم على المتهم بالإعدام. والتفت كرفخال يتطلع إلى أعضاء المحكمة باحثا عن أي دلائل على الحكمة والنجابة. وكان أول عضو وقعت عليه عيناه ثملا كأشد ما تكون الثمالة. وكانت يداه تقعيان على العلم أمامه. كيدي فلاح يمثل في رواية في حفل ريفي. وإلى جواره كان ثمة ضابط أسمر البشرة، ثم هو الآخر. أما رئيس المحكمة، الذي كان يفوقهما ثمالة، فقد بدا وكأنه على وشك أن يغمى عليه من فرط السكر.

ولم يستطع أن يقول كلمة واحدة دفاعا عن نفسه. لقد حاول النطق ببعض العبارات، ولكنه تلقى على الفور انطباعا بأن ما من أحد ينصت إليه، والواقع أنه فعلا لم يكن هناك أحد ينصت. وتجعدت كلماته في فمه كأنها خبز رطيب.

كان الحكم قد صدر وصيغ سلفا؛ وكان ثمة شيء فخم فيه يتناقض مع بساطة أولئك الذين ينفذونه ويصدقون عليه؛ دمي من اللحم المقدد ومن الذهب، تستحم من أعلى إلى أسفل بالضوء المنهل من المصباح الزيتي؛ أو يتناقض كذلك مع الشحاذين بعيونهم الضفدعية وظلالهم الثعبانية التي تنطرح على الأرض البرتقالية كأنها أقمار سوداء؛ أو مع الجنود الصغار الذين يلهون في سيور بذلاتهم؛ أو مع أثاث القاعة الذي ينتصب صامتا كأنما هو في منزل ارتكبت فيه جريمة قتل. وصاح كرفخال بأعلى صوته: إنني سأستأنف الحكم.

فبرطم رئيس المحكمة قائلا: دعك من هذا، فلا يوجد هنا استئناف ولا استنكاف، أو أي كلام فارغ من هذا القبيل.

وساعد كرفخال كوب من الماء هائل الحجم، استطاع الإمساك به على ضخامته لأن الهول كله كان في يديه، على ازدراء ما كان يحاول أن يطرده من جسده: فكرة المعاناة، آلية الموت، وقع الرصاص على العظام، الدماء على الجلد الحي، تجمد العينين، الملابس الدافئة، الأرض. وغلبه الفزع فأعاد الكوب وبقي ذراعه ممتدا إلى أن استجمع شجاعته وسحبه إلى جانبه. ورفض سيجارة قدموها له. وتحسس رقبته بأصابع مرتجفة بينما راحت عيناه، بعكس وجهه الشاحب شحوب الإسمنت، تتجولان دونما قيد بين جدران القاعة الناصعة البياض.

ودفعوا به وهو أقرب إلى الموت منه إلى الحياة عبر ممر يعصف فيه الهواء، ومذاق حريف في فمه، وساقاه لا تقويان على حمله، وعبرة في كل عين.

وقال له ضابط ذو عينين كعيني مالك الحزين: «هاك ... خذ جرعة»! ورفع الزجاجة التي شعر بها مائلة إلى فمه وشرب.

وصاح صوت من الظلمة: «أيها الضابط، عليك أن تلتحق بفرقتك العاملة غدا. لدينا أوامر بعدم التسامح بأي صورة من الصور مع المجرمين السياسيين.»

Shafi da ba'a sani ba