المراد منه بحذف كثير ارتكبناه خشية السآمة ، ولو ظفرت بعبارة هذا التأليف قبل المراجعة والتعب لاشتفيت بها فإنها وافية كافية ، وفيها محاسن كثيرة تركت نقلها خوف الملل ، ومن أراد فليراجع ، ولنرجع لما نحن بصدده ، فنقول : إذا علمت هذا ظهر لك ظهور الشمس وقت الظهيرة ، إن القول بإباحة الآلات ذوات الأوتار لا وجود له في المذهب أصلا ، وأن نسبته إليه افتراء ، وتقول عليه ، وأن القول بالكراهة / مراد قائله كراهة التحريم ، وعلى 20 إرخاء العنان هو ضعيف ، وأن المذهب كله ، أو مشهوره التحريم ، وقد تقرر في هذا المذهب أنه يحرم الإفتاء بالقول الضعيف ، فلا يفتي إلا بالراجح ، أو المشهور ، كما نص على ذلك ابن فرحون في تبصرته ، والبرزلي في نوازله ، وغيرهما ، ونقلوا ذلك عن أعلام أهل المذهب ، وذكر الشيخ العدوي أنه لا يجوز القضاء ، ولا الإفتاء ، ولا العمل بالقول الضعيف ، ومعلوم أن للضرورة أحكاما تخصها ، هذا وما وقع من هذا المفتي هو عندي أدل دليل على أنه رقيق الديانة ، عديم الأمانة ، فاسد التصور ، قبيح التهور ، خال من التحصيل ، بضاعته مجرد القال والقيل ، فإنه إن كان سبق له اشتغال بكتب المذهب ، وتلقى عن أهله ، فما معنى هذا التساهل في النقل ، وترويج ما زيفوه ، والإعراض عما رجحوه ، وإن لم يسبق له اشتغال ، فما هذا التجاري على أحكام دين الله ، والإفتاء بغير علم ، وقد صرحوا بحرمة الإفتاء على من اشتغل بكتب تحتاج إلى تقييدات لا يعرفها، والأمر أظهر من أن يحتاج إلى استدلال عليه، وفي التبصرة : واعلم أنه لا يجوز للمفتي أن يتساهل في الفتوى ، ومن عرف بذلك لم يجز أن يستفتى ، والتساهل بأن يكون لا يثبت ، ويسرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر ، وربما يحمله على ذلك توهمه أن الإسراع براعة ، وذلك جهل ، فلأن يبطئ ويخطئ أجمل به من أن يعجل فيضل ويضل ، وقد يكون تساهله وانحلاله بأن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحظورة ، أو المكروهة، والتمسك بالشبه طلبا للترخيص على من يروم نفعه ، أو التغليظ على من يريد ضره ، قال ابن الصلاح : ومن فعل ذلك ، فقد هان عليه دينه ، نسأل الله العفو والعافية ، وقال القرافي : لا ينبغي للمفتي أذا كان في المسألة قولان ، أحدهما فيه تشديد ، والآخر فيه تخفيف ، أن يفتي العامة بالتشديد ، والخاصة من ولاة الأمور بالتخفيف ، وذلك قريب من الفسوق والخيانة في الدين ، والتلاعب بالمسلمين ، وذلك دليل فراغ القلب من تعظيم الله، وإجلاله ، وتقواه ، وعمارته باللعب ، وحب الرئاسة ، والتقرب إلى الخلق دون الخالق ، نعوذ بالله من صفات المنافقين . انتهى . ومن أحب الإكثار فليراجعها ، أو نحو فتاوى البرزلي .
وقوله : وغير خاف .. إلى قوله : / فسبيلها سبيل غيرها من21 المسائل الاجتهادية التي لا يتجه فيها الإنكار .
Shafi 30