جوابه أن هذا كله نقل باطل ، واحتجاج بالتمويهات ، والتلبيسات ، وكيف يسوغ لمتدين ، فضلا عمن يدعي التصوف والمعرفة أن يحتج على تعاطي الأشياء المحرمة عند أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم بمجرد قوله : ونقل ذلك عن فلان وفلان . ما ذاك إلا غباوة ظاهرة ، وجهل مفرط ؛ لأن اللائق لمن يريد أن يفعل شيئا يخالف فيه المشهورالمقرر في مذاهب العلماء أن يحتج عليهم بنقل صريح، أو حديث صحيح ؛ لأنه إما أن يكون مجتهدا ، أو مقلدا ، فإن كان مجتهدا بين أولا أن المسألة غير مجمع عليها ، وأثبت النقل بطريقه المعتبر عند أهل الحديث وغيرهم ممن يعتقد به أنه لا إجماع في المسألة، ثم بين حجته من كتاب أو سنة،أو غيرهما بطريقه المعتبرة عند أئمة الأصول وغيرهم ، وإن كان مقلدا بين صحة الحل عن أحد من العلماء المجتهدين ، ثم قال : أنا مقلد لهذا الإمام ، حتى يرتفع الإنكار عنه ، وأما مجرد قوله نقل ، فهذا كلام لغو ، لا يفيده شيئا إلا في غرضه الفاسد ، وهو ترويج أفعاله وأقواله الكاذبه الباطلة على من لا يفرقون بين نقل وصح ، ويعتقدون أن الكل من واد واحد ، وهيهات ليس الأمر بالهوينا ، كما يظن هذا الرجل ، وأضرابه ، بل بينه وبين إثبات الحل عن واحد ممن ذكر مفاوز تقطع دونها الأعناق ، إذ لو أقام طول عمره يفحص ويفتش ما ظفر بنقل الحل من طريق صحيح عن واحد من العلماء فضلا عن هؤلاء الكثير الذين عددهم بمجرد الدعاوي الكاذبة ، وممن سبقه إلى ذلك كابن حزم ، وابن طاهر ، وليته عرف حال هذين الرجلين ؛ ليجتنب متابعتهما ، فإن كلا منهما مبتدع ضال ، أما ابن حزم فالعلماء لا يقيمون له وزنا ، كما نقله عنهم المحققون كالتاج السبكي وغيره ؛ لأنه وأصحابه ظاهرته محضة ، تكاد عقولهم أن تكون مسخت ، ومن وصل إلى أن يقول : إن بال الرجل في الماء /17 تنجس ، أو في إناء ثم صبه في الماء لم يتنجس ، كيف يقام له وزن ، ويعد في العقلاء فضلا عن العلماء ، ولابن حزم هذا وأضرابه من أمثال هذه الخرافات الشيء الذي لا ينحصر ، ومن تأمل كذبه على العلماء ، سيما إمام أهل السنة أبو الحسن الأشعري علم أنه الأولى به وبأمثاله أن يكونوا في حيز الإهمال ، وعدم رفع رأس لشيء صدر منهم ، وأما ابن طاهر فإن العلماء بالغوا في تضليله وتسفيهه بما مر بعضه ، ويأتي بعضه ، من ذلك أنه رجس العقيدة نجسها ، وأنه رجل إباحي ، لا يتقيد بدليل، ولا يقوى على تعليل ، بل كل ما وسوس له به الشيطان اتخذه مذهبا ، وبرهن عليه بالأشياء التي يعتقد كذبها ، وإنما يموه على من علم عنده ؛ ليوهمه صحة ذلك .
ثم قال : وقول صاحب ذلك الكتاب أن الجل نقل أيضا عن أكثر فقهاء المدينة .
هذا في غاية من الكذب والتدليس ، لأنه إن قلد ابن طاهر في النقل فابن طاهر إنما عبر بإجماع أهل المدينة ، لا بأكثرهم ، وإن قلد العلماء في تكذيب ابن طاهر في النقل ، فأهل المدينة مبرؤون من نسبة ذلك إليهم ، فترك هذا الرجل هاتين المقالتين ، واختراعه النقل عن أكثر فقهاء المدينة غاية في سوء الصنيع المبني على التدليس ، وحال هذا الرجل يأبى صدور مثل ذلك عنه ، لكن الهوى يوجب أكثر من ذلك .
وقوله : ونقل عن مالك سماعه ، وليس بالمعروف عند أصحابه .
كأنه لم يطالع تفسير القرطبي في سورة الروم ، ولا المسألة لابن فضل الله في مبحث المغنين المأخوذ منه رد ذلك المحكي بأنه اشتباه ، فإن شخصا اسمه مالك في زمن الإمام كان مغنيا ، وبفرض صحة ذلك ، وهو بعيد جدا فالعبرة بآخر أحوال الأئمة وأقوالهم ، والحاصل أنه لا حجة له في هذا النقل عن مالك مطلقا ، فكان اللائق صون إمامه عن هذا الذي أشار إليه ونقله عن ابن العربي في شرح الترمذي ما يوهم الحل ، وليس كذلك كما هو ظاهر بأدنى تأمل ، وما مثال هذا إلا ما في أمثال العوام : الغريق يتعلق بالقش .
وقوله : حكى إباحته الماوردي عن بعض الشافعية .
Shafi 25