مضت عدة أسابيع، ورأيت في عيني بريجيت إصرارا على مشاعرها. وذات يوم في المكتبة صرحت الدكتورة بريجيت وبكل وضوح عن مشاعرها، لم أرد أن أكسر قلبها لكن كان علي أن أكون صريحا معها، شكرتها على مشاعرها الجميلة واللطيفة ثم قلت لها: دكتورة بريجيت، علي أن أكون صادقا معك، أنا فعليا متورط بحب امرأة لا أعتقد أنها تكرهني لكنها لا تبادلني المشاعر حاليا. أنا أنتظر ردها منذ سنة تقريبا وسأنتظره لآخر يوم في عمري. - أهي الدكتورة ساي؟ - نعم. - نظراتك واضحة تجاهها، تلك المرأة غريبة الأطوار، لا أعتقد أنها الخيار المناسب، على أي حال هذه حياتك وأتمنى لك التوفيق.
مع أنني لست مضطرا أن أحكي لها، وأنا بطبعي أكره أن أتحدث عن خصوصياتي لزملاء العمل، ولم أكسر تلك القاعدة منذ عشرات السنوات. لكن في هذه الحالة كان الطريق الأسهل هو أن أخبر الدكتورة بريجيت بذلك كي لا تزعج ساي بعد الآن بتقربها مني. هكذا سأغلق كل المشاكل التي ستأتي من هذا الباب. لا أريد مشاكل أكثر، فأنا قد طال انتظاري وبدأ صبري ينفد. أيامي تمضي وأنا أتحسر على كل دقيقة تمر وساي ليست بقربي، لا أعتقد أني سأبقى صامتا بعد الآن، قررت أن أبدأ بالضغط عليها، مهما كانت النتائج.
ساي
بدأت الأيام تمضي بصعوبة علي، مشاعري مضطربة وروحي مرهقة، هذا الأسبوع عندما مضيت إلى بلدتي، أخذت إجازة من عملي في العيادة لعدة أيام، أشعر أني متعبة جدا وأحتاج إلى استراحة. مضى أول أسبوع بشكل رائع، فقد خصصت الكثير من المواعيد في عيادات البشرة والاهتمام بالصحة، واعتنيت مجددا بنفسي. قابلت الكثير من صديقاتي اللواتي لم أرهن منذ سنوات، لقد كانت حقا فرصة جيدة، مارست هوايتي بالطبخ وعمل الحلويات، علي أن أعترف أمام نفسي أني وددت لو أن هيروكي يتذوقها، خاصة كعكة التفاح التي كان يفضلها. في كل لحظة كنت أشعر أني أريد أن أراه، أتحدث إليه، قلبي يكاد ينفجر حين أفكر فيه. كنت تارة أشعر بالفرح وتارة بالحزن، ثم أتأمل كثيرا، وأعاود الكرة من جديد. كخبيرة نفسية، كان علي أن أفهم نفسي بسهولة وأن أكون صادقة، تماما كما أنصح من حولي. فلكي تصل إلى أعماق مشكلتك، وتكون قادرا على مسك خيوط حلها، عليك أولا أن تكون صادقا مع نفسك. لذا قررت أن أجلس مع الدكتورة ساي، أخبرها بصدق عما أشعر به، علي أساعد نفسي على إيجاد حل لكل هذا الاضطراب الذي أشعر به والذي يمنعني من التركيز. فكرت طويلا ووجدت أن كل هذه الأعراض تدل وببساطة على أني أكن لهيروكي مشاعر خاصة، وأود مشاركته كل الأمور التي أقوم بها في حياتي اليومية، وأشعر برعشة في قلبي حين أذكر تعابير وجهه. ثم تنبهت فجأة لأمر مهم جدا ، إنها أسابيع الصيف الكئيبة خاصتي، منذ يومين، كان اليوم الذي انفصلنا به أنا وهاك. على مدى السنوات العشر الماضية كنت أمارس طقوس الحزن والكآبة في هذين الأسبوعين بشكل لا إرادي، هذه المرة لقد مرت تلك الأسابيع من غير أن أتنبه لها أصلا!
إنه أيضا نوع من أنواع الحب، حين يصر الطرف الآخر على مشاعره، ويبقى صامدا أمام تجاهل من يحب، ويبذل قصارى جهده ويناضل كي يحتل تفكيره وقلبه. وتدريجيا، يصبح ما أراده حقيقة، أشعر أن هذه هي حالي مع هيروكي، لقد بقي متمسكا بمشاعره وعلم أنه سيستطيع إقناعي، علم أن مشاعره ستصل إلى قلبي في نهاية المطاف وستؤثر به. هناك من يشكك بهذا النوع من تبادل المشاعر ولا يدرجه تحت مسمى الحب الحقيقي، أن يحب الشخص من أحبه. أين المشكلة في ذلك! إن كان تبادل المشاعر تدريجيا! لقد أحببته، نعم، لقد أحببت هذا العالم الوسيم، الذي يكره رقائق البطاطا.
في ذلك اليوم لم أستطع أن أنتظر يوم الجمعة، بل أسرعت إلى سيارتي وانطلقت إلى المركز. كانت الساعة الخامسة عصرا، وكان الجو حارا جدا، وضعت الأغاني المفضلة التي أحبها وبدأت أعيش كلماتها وأنا في طريقي إليه. كنت في قمة حماسي، ولم أكن أعلم ما أود أن أقوله، لكن كانت المشاعر التي أشعر بها من أجمل المشاعر التي عشتها في حياتي كلها. كنت سعيدة جدا ولا أعلم كيف سآخذ الأمور بطريقة عفوية فالأمر محرج جدا.
وصلت إلى المركز، وانطلقت مباشرة إلى مكتبه، فلم أجده هناك. فبدأت أبحث عنه بين القاعات، وبينما أنا منهمكة بالبحث رأيته في الممر مع أحد طلابه، تفاجأ لرؤيتي في المركز في يوم الثلاثاء. قطع حديثه مباشرة مع طالبه واتجه نحوي مسرعا. لم أعلم ماذا سأقول له، قمت بإلقاء التحية فسألني: ساي! هل لديك عمل إضافي اليوم في المركز؟ - لا، بل أقصد نعم، لا أعلم، ربما. - ساي! هل من خطب؟ هل أنت على ما يرام؟ - نعم، أعتقد أني بخير. - تعتقدين؟ ساي، لا تبدين بخير، وجهك شاحب، أرجوك أخبريني ما بك؟
لم أستطع أن أطلب الحديث معه، لأني لا أعلم كيف سأبدأ وماذا سأقول، أخبرته أنني سأرتاح في مكتبي قليلا، فودعني ومضيت. ثم رأيته مجددا بعد عدة ساعات لكني لن أتحدث إليه، وعدت إلى مكتبي، وبينما أنا قلقة وأفكر، طرق أحدهم باب مكتبي، نظرت من طرف الباب فإذا هو هيروكي، لم أفتح له الباب، واعتذرت بأني لست قادرة على رؤيته الآن، لكنه أصر على أن يتحدث معي كما لو أنه شعر بما يجول في خاطري، وعلم أني هنا لأخبره بشيء يخصه: ساي، عزيزتي، أنا قلق بشأنك كثيرا، أرجوك لا تتركيني بهذه الحالة، أخبريني ما بك؟ - حسنا، أراك عند الحديقة بعد قليل. - سأنتظرك.
نظرت في المرآة وسألت نفسي، أهو قرار نهائي ساي؟ ثم أجبت نفسي، نعم بالتأكيد، وانطلقت مسرعة إلى الحديقة. هناك حين رآني، رحب بي، نظرت إليه بارتباك وخجل ثم أخذت نفسا عميقا. حاولت أن أزيل حالة الارتباك المسيطرة علي، وعندما شعرت أني مستعدة بدأت حديثي معه وعلى شفتي ابتسامة هادئة: هيروكي، طوال العشر سنوات الماضية كنت قد توهمت أنني قد أقفلت قلبي بشكل محكم، كنت واثقة أنني لن أضعف أمام حب أحد ما. مررت بعشرات المواقف وكنت قوية، صلبة، متماسكة أمام كل ما عرض علي من مشاعر وحب. كنت حازمة، متمكنة من نفسي ومن قلبي، كنت أرفض بسهولة، أرفض كل شيء من غير أن أبذل جهدا، كنت أكمل حياتي من غير أن أذكر أي كلمة قيلت لي، أو نظرة إعجاب وجهت نحوي. لكن منذ سنة وأنا أشعر أنني في ساحة معركة بين قلبي وعقلي، بين مشاعري وأفكاري، بين ماضي وحاضري، بين عهودي وتخيلاتي. عاهدت نفسي ألا أفكر بالارتباط ثانية لكني أتخيل وجودك بجانبي في كل مكان. كل عهودي كانت منحصرة حول أن أنفرد بنفسي وحيدة، لكن مشاعري كلها تدور حولك أنت. كل الصور التي أراها من ماضي تخبرني أنه علي الابتعاد عن تلك المنطقة الخطرة، عن الحب، عن المشاعر الجميلة، لكن حاضري يدفعني لتلك المناطق. أحكم عقلي فأرى أنه من التهور أن أدفع بنفسي إلى تجربة جديدة لا أعلم عاقبتها، لكن يأبى قلبي إلا أن يرمي بي إلى تلك المتاهة، لم أكن أعتقد أنني سأعود مجددا إلى تلك المشاعر. وها هو قلبي يعلن انتصاره، وها أنا اليوم جئت لأخبرك، أني استسلمت تماما.
نظر إلي بهدوء شديد، شعرت أنه يقوم بتخزين الكلمات التي قلتها في قلبه وعقله وذاكرته وروحه، كانت عيناه تلمعان بشدة، رأيت ابتسامة لطيفة ارتسمت على وجهه، كانت ابتسامة امتنان وثقة، ابتسامة مليئة بالحنان، شعرت بدفء شديد، أمسك بيدي وقال: ساي! كنت واثقا أن هذا اليوم سيأتي، منذ اللحظة الأولى التي شعرت فيها بمشاعر خاصة تجاهك، علمت أنك ستكونين نصفي الآخر وكنت متأكدا أنك ستقبلين مشاعري يوما ما وستبادلينني إياها. ساي، شكرا لك.
Shafi da ba'a sani ba