Awon Acmaq
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Nau'ikan
الأعراف والمؤسسات
المؤسسات والقوانين أيضا تصدر عن الأعراف. تتكون المؤسسة من مفهوم (فكرة، مذهب، مصلحة) وبنية. والبنية هي إطار أو جهاز أو ربما مجرد عدد من الموظفين يأخذون في التعاون بطرائق محسوبة في مرحلة معينة. ومن شأن البنية أن تمسك هذا المفهوم وتقدم الهيكل الفعال أو الآلية الكفيلة بطرحه في عالم الوقائع والفعل بطريقة تخدم مصالح الناس في المجتمع. ثمة مؤسسات كالملكية والزواج والدين تنبثق مباشرة من الأعراف، وتنتج بنفس الجهود الغريزية التي تنتج العرف، ثم تتبلور هذه الجهود وتتحدد من خلال التكرار المستمر والاستخدام الطويل. وهناك مؤسسات محدثة أو موضوعة، مثل البنوك، وهي نتاج القصد والابتكار العقلاني. تنشأ جميع المؤسسات عن العرف رغم أن العنصر العقلي فيها يكون كبيرا في بعض الأحيان بحيث يخفي أصلها العرفي.
الزواج مثلا، فيما يقول سمنر، أصله الأسر! فقد كان الرجل في الحياة البدائية الطبيعية يمكنه أن يأسر امرأة في أي وقت ويحتجنها لنفسه إن استطاع. إنه يأسرها بقوته الجسمانية التي هي مبرر ذاتها في نهاية الأمر. غير أن فعله هذا كان يجلب المتاعب لرفاقه ويشعل الحرب بين جماعته وجماعة المرأة التي أسرها. ومن ثم فقد حرموا الأسر بهذه الطريقة أو وضعوا له شروطا. بذلك صار الأسر، داخل الشروط المرعية، تقنيا مؤسسيا، ونجمت منه الحقوق، ونالت المرأة وضعا حددته التقاليد، مختلفا عن وضع الأسر الفعلي تمام الاختلاف، وصار الزواج علاقة مؤسسية قائمة في المجتمع وتحت هيمنته؛ علاقة بين امرأة ورجل يتم فيها الظفر بالمرأة بطريقة مرعية فتكون، من ثم، «زوجة»، وتضطلع الأعراف
mores
بتحديد حقوقها وواجباتها كما هي اليوم في جميع المجتمعات المتحضرة .
القوانين
الأحكام التشريعية هي أيضا وليدة العرف، في الحضارات البدائية تكون كل النظم الاجتماعية هي تقاليد ومحرمات مجهولة المنشأ. فالقوانين الوضعية غير ممكنة ما لم يصل الذهن البشري إلى مرحلة التحقق والتأمل والنقد. وإلى أن يبلغ الذهن هذه الدرجة فليس هناك غير حكم العادة أو «القانون العرفي»
common law . قد يدون القانون العرفي وينظم وفقا لبعض المبادئ الفلسفية ويبقى رغم ذلك عرفا. ومن أمثلة ذلك قانون مانو وجستينيان. ومن غير الممكن «وضع» القوانين ما لم تضعف سلطة الأسلاف وتقل سطوتهم بحيث لا يتهيب العقل من الاعتراض على التقاليد الموروثة بسن قوانين وضعية. وحتى في هذه الحالة ثمة كراهة لوضع القوانين. وهناك مرحلة انتقالية تمتد فيها التقاليد الموروثة عن طريق التأويل لتشمل الحالات الجديدة ولتمنع الرذائل والشرور. والتشريع رغم كل شيء لا بد له من أن يجد أرضا صلبة من الأعراف الموجودة. وسرعان ما يتبين أن التشريع لكي يكون قويا ينبغي أن يكون متسقا مع العرف، فما كان في العرف والتقليد يصبح في حماية الشرطة ثم في حماية القانون الوضعي، وتحل الممنوعات (القانونية) محل المحرمات، وتنظم العقوبات بحيث تكون ردعا لا انتقاما.
كيف تختلف القوانين والمؤسسات عن الأعراف
عندما تصبح الطرق الشعبية مؤسسات أو قوانين تكون قد غيرت طابعها ووجب تمييزها عن الأعراف. إن العنصر العاطفي والإيماني باطن في صميم العرف بينما تتحلى القوانين والمؤسسات بطابع عقلاني وعملي تتسم بدرجة أكبر من الآلية والنفعية. أما الفارق الكبير فهو أن للمؤسسات والقوانين طابعا وضعيا بينما الأعراف هي شيء غير مصوغ وغير معرف. ثمة فلسفة مضمرة في الطرق الشعبية، وعندما يصرح بها تصبح فلسفة بالمعنى التقني.
Shafi da ba'a sani ba