Awon Acmaq
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Nau'ikan
بعد أن شهدوا جملا لأول مرة، فوقر في ظنهم أن الجمل هو الذي أحدث المرض. تصادف كذلك أن امرأة من هذا الشعب نفسه قد تزوجت رجلا من ذويها الأقربين ثم أصيبت عقب ذلك بالعمى، فعزي ذلك إلى انتهاكها للتقاليد القديمة التي تحرم زواج الأقارب.
وبوسعنا أن نجمع ما لا يحصى من هذه الشواهد، وهي في الحقيقة تمثل الطريقة المتبعة في الاستدلال العقلي لدى الشعوب البدائية، فمن عادة هؤلاء الأقوام إذا حدث شيء «بعد شيء» آخر أن يستدلوا من ذلك أنه حدث «بسببه»
5
وكثير جدا من العادات يرجع في أصله إلى فكرة «العين اللامة»
evil eye ، وكثير جدا يرجع إلى الأفكار الطقسية عن الدنس. وما كان بمقدور البحث العلمي أن يكشف أصل الطرق الشعبية التي ذكرناها لو لم تسمح المصادفة بكشفها لأهل الحضارة. وما من شك أن الحالات التي أحطنا بها تدل على المنشأ العبثي واللاعقلي لكثير من الطرق الشعبية. وفي نطاق التاريخ الحضاري أيضا نعرف أن العادات ترتد في منشئها إلى «المصادفة التاريخية» من قبيل غرور أميرة أو عاهة ملك أو نزوة نظام ديمقراطي أو غرام رجل دولة أو أسقف. ومن الجائز أن تكون المؤسسات في عصر آخر وقاء يمنع أيا من هذه الأشياء أن يؤثر في القرارات أو الأفعال أو المصالح. غير أن السلطة التي تقرر الطرق ربما تكون قد انتقلت إلى الجمعيات ونقابات العمال والاتحادات الاحتكارية والمنافسين التجاريين والمحركين المحتجبين والساسة والمتعصبين السياسيين. في هذه الحالات أيضا قد تتوارى أسباب العادات وأصلها ولا يطالها البحث.
6
الطرق الشعبية الضارة
من الطرق الشعبية ما هو ذو ضرر محقق. وغالبا ما تكون هذه بالتحديد هي الطرق التي تقدم لها مبررات صريحة، فتحطيم ممتلكات الشخص عند وفاته هو استنتاج يلزم بالضرورة عن مفهوم العالم الآخر؛ إذ من المفترض أن يحتاج الميت في العالم الآخر إلى نفس الأشياء التي احتاج إليها في هذا العالم!
لقد كان في تحطيم ممتلكات الميت إهدار كبير للثروة. ومن المحقق أنه كان وبالا على الحي وأنه قد أعاق نمو الحضارة بدرجة خطيرة. ولنا أن ندرج مع هذه العادة كل إهدار للمال والجهد في بناء المقابر والمعابد والأهرام والشعائر والأضحيات ودعم الكهنة، ما دامت كلها عادات كانت تهدف إلى مصلحة الموتى. وقد أفضت هذه الخزعبلات إلى طغيان بعض المصالح الأخروية المزعومة على المصالح الدنيوية، فكثيرا ما كانت تحرم أطعمة متوافرة في البيئة بكثرة ويبقى دونها الناس في شظف وجوع. من أمثلة ذلك تلك القبيلة من قبائل البوشمن التي تمتنع عن أكل لحم الماعز رغم أن الماعز هي أكثر الحيوانات الأليفة وفرة في المنطقة. وأيا ما كان المغزى الحقيقي للطوطمية فهي قد فوتت على أهلها خيرا كثيرا في غذاء موفور.
ومن يرد البحث عن أصل التقديس الذي يسبغ على البقر، يلتمسه في طبيعة الحياة البدوية البدائية للعنصر الهندوأوروبي؛ لأنه استشرى عند الإيرانيين والهنود في هندوستان . أما الليبيون فقد كانوا يأكلون لحم الثيران دون البقر. كذلك الحال بالنسبة للفينقيين والمصريين.
Shafi da ba'a sani ba