Awon Acmaq
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Nau'ikan
والضلالات
delusions
والهلاوس هي ظواهر تمثل تصدع حدود الذات. غير أن الفصامي داخل عالمه الذي نسجته ذاته يعيش في قوقعة، بطريقة تشبه كثيرا معيشة الحيوانات في فقاعات من عوالمها المقيدة بتنظيمها.
فإذا كان الحيوان لديه «بيئة» أو وسط محدود، فإن الإنسان كائن منفتح على العالم، أو هو كائن لديه «عالم»؛ أي أن عالمه يتجاوز كثيرا قيود البيولوجيا ويتخطى حدود حواسه نفسها، فالتقوقع بالنسبة للإنسان، بدءا من تقوقع التخصص العلمي مرورا بالعصاب وانتهاء بالفصام، هو تضييق مرضي لإمكاناته، وهي إمكانات قائمة على وظائفه الرمزية.
22
الأنشطة الرمزية
إذا استثنينا عملية الإشباع المباشر للحاجات البيولوجية، وجدنا أن الإنسان لا يعيش في عالم من الأشياء بل بالأحرى في عالم من الرموز. ويمكننا القول أيضا بأن العوالم الرمزية المتعددة، المادية وغير المادية، التي تميز الثقافات البشرية عن المجتمعات الحيوانية، هي جزء، وأهم جزء على الإطلاق، من النظام السلوكي للإنسان. وإذا أمكن الشك في أن الإنسان حيوان عاقل فليس ثمة أدنى شك في أنه حيوان مبدع للرموز ومرتهن للرموز قلبا وقالبا.
هذه الصبغة الرمزية هي الخصلة الفريدة التي تميز الإنسان في نظر البيولوجيين والفزيولوجيين من مدرسة بافلوف (الجهاز الإشاري الثاني) والأطباء النفسيين والفلاسفة. ولكنها غائبة في كتب علم النفس حتى الكتب الرائدة وأحدث الأعمال السلوكية. غير أن هذه الوظائف الرمزية بالتحديد هي ما يجعل دوافع الحيوان لا تصلح نموذجا لدوافع الإنسان. وهي بالضبط ما يقوض فكرة أن الشخصية البشرية تكتمل معالمها في سن الثالثة أو نحو ذلك كما تفترض نظرية الغرائز لفرويد.
ولعل جميع التصورات المستخدمة لتمييز السلوك الإنساني هي نتاج أو جوانب مختلفة للنشاط الرمزي: الثقافة أو الحضارة، الإدراك الحسي الخالق كمقابل للإدراك السلبي (مري، أولبورت)، موضعة الأشياء الخارجية والذات أيضا، التأمل الذاتي، الطور التجريدي كمقابل للطور العياني، امتلاك ماض ومستقبل، الارتباط بالزمن، توقع المستقبل، الغرضية الحقيقية (الأرسطية)، القصد بوصفه تخطيطا واعيا، إرادة المعنى، الخوف من الموت، الانتحار، الشغف بوصفه انخراطا في نشاط ثقافي مشبع في ذاته، التكريس المثالي لقضية (ربما ميئوس منها)، الاستشهاد، تجاوز الذات، استقلال الذات، الضمير، الأنا الأعلى، القيم، الأخلاق، الصدق، الكذب. هذه صيغ أو جوانب شديدة التباين، إلا أنها تنبت جميعا من جذر العوالم الرمزية الخلاقة، ومن ثم فهي لا تقبل الاختزال إلى دوافع بيولوجية أو إلى غرائز التحليل النفسي أو التدعيم أو إشباع الحاجات أو غير ذلك من العوامل البيولوجية، فالفارق الحاسم بين القيم البيولوجية والقيم الإنسانية المميزة هو أن الأولى معنية ببقاء الفرد والنوع والثانية معنية دائما بعالم رمزي.
يترتب على ذلك أن الاضطراب النفسي عند الإنسان يشتمل دائما على اضطراب في الوظائف الرمزية، وأن فكتور فرانكل كان على حق حين ميز بين الأعصبة الجسدية المنشأ
Shafi da ba'a sani ba