صدق القائل إن للغرف أرواحا ...
أحب روح هذه الغرفة الممزوجة من أرواح شتى.
وهل من مخبر بما رأته هذه الجدران قبل أن تكون للجامعة من أتراح وأحزان، وبما شهدته من تقلبات الحدثان!
لعلها سمعت تنهدات لم يلن لها قلب، أو رأت قلبا وحيدا لم يشاركه في ابتهاجه مشارك!
لعلها رأت دموعا سخينة لم تمسحها اليد الرحيمة!
فولتير! هوغو!
لو تكلمت الجدران لكانت أتم منكما بلاغة وأعمق تأثيرا!
في محكمة الجنايات
زرت اليوم مكانا لعله أرعب الأمكنة بعد مسارح الجرائم الخفية ومواضع تنفيذ الإعدام؛ أعني القاعة الكبرى في محكمة الجنايات؛ حيث يصدر العدل البشري أشد أحكامه على من يكون في عرفه مجرما. ذهبت إلى تلك القاعة حيث تنعقد المحكمة العسكرية لمحاكمة المتهمين بأنهم من أعضاء «جمعية الانتقام» المتآمرة على خلع السلطان، وقتل الوزراء، وقلب الحكومة، والتحريض على الثورة في البلاد. ما أرهب هذه الكلمات التي تصور للمخيلة مشاهد الظلم والفتك والدماء والدمار! ومن مميزات الحركة النسائية الجديدة أن المصريات امتزجن بالحياة العامة فصرن يظهرن في كل اجتماع قومي، حتى في أحرج المواقف وأوجعها للقلوب الوطنية. كذلك حضر بعضهن جلسات المحكمة بالتتابع.
دخلت الدهليز الواسع بين الجنود المنتصبين يمنة ويسرة، وخلالهم يختلط المحامون بأصحاب القضايا ويناقشونهم بأصوات خافتة على رغم منهم، فتلقاني جندي حاجب قدمت له تذكرة الدخول فأوصلني إلى آخر. وسار بي هذا إلى ثالث وأنا أعد الأزرار الذهبية المنضدة على كتف كل منهم، وأتظاهر بعدم الاكتراث لأسكت دقات قلبي. وما كان حتى رأيت ضابطا ينحني أمامي وهو يفتح بابا لم أسمع له ما يشبه الصوت، فوجدتني بغتة في قاعة متوسطة الاتساع قد تبلغ مساحتها العشرين مترا طولا على عشرة أمتار عرضا. وبدلا من أن أخطو وراء الجندي الذي سار ليدلني على مكاني، ظللت واقفة وأنا في إجفالي أتفرس في الوجوه المستوية في صدر القاعة وقد اشرأبت نحوي جميعا. غير أن الذي تكفل بإيصالي عاد إلي ثم مشى يهديني حتى أجلسني على المقعد الرابع، وعلى مقربة مني «قفص» المتهمين.
Shafi da ba'a sani ba